قوله تعالى : فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم  
فإن زللتم  أي تنحيتم عن طريق الاستقامة . وأصل الزلل في القدم ، ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك ، يقال : زل يزل زلا وزللا وزلولا ، أي دحضت قدمه . وقرأ أبو السمال العدوي    " زللتم " بكسر اللام ، وهما لغتان . وأصل الحرف من الزلق ، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق . 
من بعد ما جاءتكم البينات  أي المعجزات وآيات القرآن ، إن كان الخطاب للمؤمنين ، فإن كان الخطاب لأهل الكتابين  فالبينات ما ورد في شرعهم من الإعلام   [ ص: 25 ] بمحمد  صلى الله عليه وسلم والتعريف به . وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به  ، ومن لم تبلغه دعوة الإسلام لا يكون كافرا بترك الشرائع    . وحكى النقاش  أن كعب الأحبار  لما أسلم كان يتعلم القرآن ، فأقرأه الذي كان يعلمه " فاعلموا أن الله غفور رحيم " فقال كعب    : إني لأستنكر أن يكون هكذا ، ومر بهما رجل فقال كعب    : كيف تقرأ هذه الآية ؟ فقال الرجل : فاعلموا أن الله عزيز حكيم  فقال كعب    : هكذا ينبغي ؛ " عزيز " لا يمتنع عليه ما يريده ، " حكيم " فيما يفعله . 
				
						
						
