العاشرة : أما ما استدل به الأولون بقوله عليه السلام : وإذا قرأ فأنصتوا أخرجه مسلم  من حديث  أبي موسى الأشعري    ; وقال : وفي حديث جرير  عن سليمان  عن قتادة  من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا قال  الدارقطني    : هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي  فيها عن قتادة    ; وخالفه الحفاظ من أصحاب قتادة  فلم يذكروها ; منهم شعبة  وهشام  وسعيد بن أبي عروبة   وهمام  وأبو عوانة  ومعمر  وعدي بن أبي عمارة    . قال  الدارقطني    : فإجماعهم يدل على وهمه . وقد روي عن عبد الله بن عامر  عن قتادة  متابعة التيمي    ; ولكن ليس هو بالقوي ، تركه القطان . وأخرج أيضا هذه الزيادة أبو داود  من حديث  أبي هريرة  وقال : هذه الزيادة إذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة . وذكر أبو محمد عبد الحق    : أن مسلما  صحح حديث  أبي هريرة  وقال : هو عندي صحيح . 
قلت : ومما يدل على صحتها عنده إدخالها في كتابه من حديث أبي موسى  وإن كانت مما لم يجمعوا عليها . وقد صححها الإمام  أحمد بن حنبل  وابن المنذر    . وأما قوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا  فإنه نزل بمكة  ، وتحريم الكلام في الصلاة  نزل بالمدينة    - كما قال  زيد بن أرقم  فلا حجة فيها ; فإن المقصود كان المشركين ، على ما قال  سعيد بن المسيب    . وقد روى  الدارقطني  عن  أبي هريرة  أنها نزلت في رفع الصوت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال : عبد الله بن عامر  ضعيف . وأما قوله عليه السلام : ( ما لي أنازع القرآن   ) فأخرجه مالك  عن ابن شهاب  عن ابن أكيمة الليثي  ، واسمه فيما قال مالك    : عمرو  ، وغيره يقول عامر  ، وقيل يزيد  ، وقيل عمارة  ، وقيل عباد  ، يكنى أبا الوليد  توفي سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وسبعين سنة ، لم يرو عنه الزهري  إلا هذا الحديث الواحد ، وهو ثقة ، وروى عنه محمد بن عمرو  وغيره . والمعنى في حديثه : لا تجهروا إذا جهرت فإن ذلك   [ ص: 120 ] تنازع وتجاذب وتخالج ، اقرءوا في أنفسكم . يبينه حديث عبادة  وفتيا الفاروق   وأبي هريرة  الراوي للحديثين . فلو فهم المنع جملة من قوله : ( ما لي أنازع القرآن   ) لما أفتى بخلافه ، وقول الزهري  في حديث ابن أكيمة    : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد بالحمد على ما بينا ; وبالله توفيقنا . 
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فحديث ضعيف أسنده الحسن بن عمارة  وهو متروك ،  وأبو حنيفة  وهو ضعيف ; كلاهما عن موسى بن أبي عائشة  عن  عبد الله بن شداد  عن جابر    . أخرجه  الدارقطني  وقال : رواه  سفيان الثوري  وشعبة   وإسرائيل بن يونس  وشريك  وأبو خالد الدالاني  وأبو الأحوص   وسفيان بن عيينة   وجرير بن عبد الحميد  وغيرهم ، عن موسى بن أبي عائشة  عن  عبد الله بن شداد  مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب . وأما قول جابر    : من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام   ; فرواه مالك  عن  وهب بن كيسان  عن جابر  قوله . قال  ابن عبد البر    : ورواه يحيى بن سلام  صاحب التفسير عن مالك  عن  أبي نعيم وهب بن كيسان  عن جابر  عن النبي صلى الله عليه وسلم وصوابه موقوف على جابر  كما في الموطأ . وفيه من الفقه إبطال الركعة التي لا يقرأ فيها بأم القرآن    ; وهو يشهد لصحة ما ذهب إليه ابن القاسم  ورواه عن مالك  في إلغاء الركعة والبناء على غيرها ولا يعتد المصلي بركعة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب . وفيه أيضا أنالإمام قراءته لمن خلفه قراءة    ; وهذا مذهب جابر  وقد خالفه فيه غيره . 
				
						
						
