مقدمة ابن كثير
[ ص: 5 ]
قال الشيخ الإمام الأوحد البارع الحافظ المتقن عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الخطيب أبي حفص عمر بن كثير البصروي الشافعي رحمه الله تعالى ورضي عنه
فقال الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 2 - 4 ] ، وقال تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) [ الكهف : 1 - 5 ] ، وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) [ الأنعام : 1 ] ، واختتمه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار ( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) [ الزمر : 75 ] ؛ ولهذا قال الله ] تعالى ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) [ القصص : 70 ] ، كما قال الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ) [ سبأ : 1 ] .
أي في جميع ما خلق وما هو خالق هو المحمود في ذلك كله كما يقول المصلي اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ؛ ولهذا يلهم أهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس أي يسبحونه ويحمدونه عدد أنفاسهم لما يرون من عظيم نعمه عليهم وكمال قدرته وعظيم سلطانه وتوالي مننه ودوام إحسانه كما قال تعالى ( فله الحمد في الأولى والآخرة إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 9 ، 10 ]
والحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165 ] ، وختمهم بالنبي الأمي العربي المكي الهادي لأوضح السبل أرسله إلى جميع خلقه من الإنس والجن من لدن بعثته إلى قيام الساعة كما قال تعالى [ ص: 6 ] قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) [ الأعراف : 158 ] ، وقال تعالى ( لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] .
من عرب وعجم وأسود وأحمر وإنس وجان فهو نذير له ولهذا قال تعالى ( فمن بلغه هذا القرآن ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] . فمن كفر بالقرآن ممن ذكرنا فالنار موعده بنص الله تعالى وكما قال تعالى ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم ) [ القلم 44 45 ] ، .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود . قال مجاهد يعني الإنس والجن . فهو صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن مبلغا لهم عن الله ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] .
وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى تفهمه فقال تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) [ النساء 82 ] ، وقال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) [ ص : 29 ] ، وقال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) [ محمد : 24 ] .
فالواجب على العلماء وطلبه من مظانه وتعلم ذلك وتعليمه كما قال تعالى ( الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك ، وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) [ آل عمران : 187 ] ، وقال تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) [ آل عمران 77 ]
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله
فعلينا أيها المسلمون أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به وأن نأتمر بما أمرنا به من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه وتفهمه وتفهيمه قال الله تعالى ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) [ الحديد 16 ، 17 ] . ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها كذلك يلين القلوب بالإيمان بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك إنه [ ص: 7 ] جواد كريم
فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير
فالجواب إن أصح الطرق في ذلك أن فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال يفسر القرآن بالقرآن الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قال الله تعالى ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) [ النساء 105 ] ، وقال تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) [ النحل 44 ] ، وقال تعالى وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) [ النحل : 64 ] .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : السنة والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن وقد استدل ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك
والغرض أنك ، كما تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة لمعاذ حين بعثه إلى اليمن بم تحكم ؟ قال بكتاب الله قال : فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله قال فإن لم تجد قال أجتهد برأيي . قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أقوال الصحابة رضي الله عنه . وعبد الله بن مسعود
قال حدثنا أبو الإمام أبو جعفر محمد بن جرير كريب ، حدثنا جابر بن نوح حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى عن مسروق قال : قال ابن مسعود : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم [ ص: 8 ] بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . وقال عبد الله يعني الأعمش أيضا ، عن أبي وائل عن ابن مسعود قال كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا .
الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن وببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال ومنهم . اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
وقال ابن جرير حدثنا حدثنا محمد بن بشار حدثنا وكيع سفيان عن الأعمش عن مسلم قال قال نعم ترجمان القرآن عبد الله يعني ابن مسعود ابن عباس . ثم رواه عن يحيى بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش ، عن عن مسلم بن صبيح أبي الضحى مسروق ، عن ابن مسعود أنه قال نعم الترجمان للقرآن ابن عباس . ثم رواه عن بندار ، عن عن جعفر بن عون الأعمش به كذلك
فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود
وقال الأعمش عن أبي وائل استخلف علي على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية سورة النور ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا . عبد الله بن عباس
ولهذا غالب ما يرويه في تفسيره عن هذين الرجلين إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عبد الله بن مسعود ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال وابن عباس رواه بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار عن البخاري عبد الله ؛ ولهذا كان عبد الله بن عمرو يوم اليرموك قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه [ ص: 9 ] من هذا الحديث من الإذن في ذلك
ولكن هذه تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد فإنها على ثلاثة أقسام الأحاديث الإسرائيلية
أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه
والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم ، وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) [ الكهف : 22 ] ، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فقال في مثل هذا ( قل ربي أعلم بعدتهم ) فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه فلهذا قال ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فتشتغل به عن الأهم فالأهم فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته ، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور والله الموفق للصواب
[ قال سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد كان ابن عباس إذا سئل عن الآية في القرآن قال به فإن لم يكن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به ، فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فإن لم يكن اجتهد برأيه . [ ص: 10 ] فصل
ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد ، قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها .
وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي ، عن قال رأيت ابن أبي مليكة سأل مجاهدا ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه قال فيقول له ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله . ولهذا كان يقول إذا جاءك التفسير عن سفيان الثوري مجاهد فحسبك به .
وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي والضحاك بن مزاحم
وقال شعبة بن الحجاج وغيره ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم وهذا صحيح أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك أقوال التابعين في الفروع
فأما فحرام لما رواه تفسير القرآن بمجرد الرأي محمد بن جرير رحمه الله حيث قال : حدثنا حدثنا محمد بن بشار يحيى بن سعيد حدثنا سفيان ، حدثني عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار
وهكذا أخرجه الترمذي ، من طرق عن والنسائي به . ورواه سفيان الثوري أبو داود عن مسدد ، عن أبي عوانة عن عبد الأعلى به . وقال الترمذي هذا حديث حسن [ ص: 11 ]
وهكذا رواه ابن جرير أيضا عن يحيى بن طلحة اليربوعي عن شريك ، عن عبد الأعلى به مرفوعا . ولكن رواه محمد بن حميد عن الحكم بن بشير عن عن عبد عمرو بن قيس الملائي الأعلى عن سعيد ، عن ابن عباس فوقفه . وعن محمد بن حميد عن جرير عن ليث عن بكر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من قوله فالله أعلم
وقال ابن جرير حدثنا حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا حبان بن هلال سهيل أخو حزم حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ
وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي ، من حديث والنسائي سهيل بن أبي حزم القطعي وقال الترمذي غريب وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل .
وفي لفظ لهم من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ أي لأنه قد تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأت الأمر من بابه كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله أعلم وهكذا سمى الله القذفة كاذبين فقال ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) [ النور : 13 ] ، فالقاذف كاذب ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به ولو كان أخبر بما يعلم لأنه تكلف ما لا علم له به والله أعلم
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سليمان ، عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
وقال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي ؛ أن سئل عن قوله ( أبا بكر الصديق وفاكهة وأبا ) [ عبس 31 ] ، فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم منقطع .
وقال أبو عبيد أيضا حدثنا يزيد عن حميد عن أنس ؛ أن قرأ على المنبر [ ص: 12 ] عمر بن الخطاب وفاكهة وأبا ) [ عبس 31 ] ، فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ثم رجع إلى نفسه فقال إن هذا لهو التكلف يا عمر .
وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ، قال كنا عند رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ ( عمر بن الخطاب وفاكهة وأبا ) فقال ما الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف فما عليك ألا تدريه .
وهذا كله محمول على أنهما رضي الله عنهما إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل لقوله ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا ) الآية [ عبس 27 28 ] ،
وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عن ابن علية أيوب ، عن أن ابن أبي مليكة ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها . إسناده صحيح
وقال أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب ، عن قال سأل رجل ابن أبي مليكة ابن عباس عن ( يوم كان مقداره ألف سنة ) [ السجدة 5 ] ، فقال له ابن عباس فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) [ المعارج 4 ] ؟ فقال له الرجل إنما سألتك لتحدثني فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم .
وقال أيضا ابن جرير حدثني حدثنا يعقوب يعني ابن إبراهيم عن ابن علية ، مهدي بن ميمون عن قال : جاء الوليد بن مسلم إلى طلق بن حبيب فسأله عن آية من القرآن ؟ فقال أحرج عليك إن كنت مسلما إلا ما قمت عني أو قال أن تجالسني . جندب بن عبد الله
وقال مالك ، عن يحيى بن سعيد عن إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال إنا لا نقول في القرآن شيئا . سعيد بن المسيب
وقال الليث ، عن يحيى بن سعيد عن إنه كان سعيد بن المسيب . لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن
وقال شعبة ، عن عمرو بن مرة قال سأل رجل عن آية من القرآن فقال لا [ ص: 13 ] تسألني عن القرآن وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني : سعيد بن المسيب عكرمة .
وقال ابن شوذب حدثني يزيد بن أبي يزيد قال كنا نسأل عن الحلال والحرام وكان أعلم الناس فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع . سعيد بن المسيب
وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن عمر قال لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع .
وقال أبو عبيد حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث ، عن قال ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط . هشام بن عروة ،
وقال أيوب وابن عون عن وهشام الدستوائي ، سألت محمد بن سيرين عبيدة السلماني ، عن آية من القرآن فقال ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن فاتق الله وعليك بالسداد .
وقال أبو عبيد حدثنا معاذ ، عن ابن عون ، عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه ، قال إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده .
حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ، قال كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه .
وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال قال الشعبي والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ولكنها الرواية عن الله عز وجل .
وقال أبو عبيد حدثنا هشيم ، حدثنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق ، قال اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله .
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه وهذا هو الواجب على كل أحد فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما [ ص: 14 ] سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) آل عمران : 187 ، ولما جاء في الحديث المروي من طرق . من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار
فأما الحديث الذي رواه أبو جعفر بن جرير
حدثنا حدثنا عباس بن عبد العظيم محمد بن خالد بن عثمة حدثنا جعفر بن محمد بن الزبيري حدثني عن أبيه عن هشام بن عروة عائشة ، قالت إلا آيا تعد علمهن إياه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن جبريل عليه السلام ثم رواه عن أبي بكر محمد بن يزيد الطرسوسي عن عن معن بن عيسى جعفر بن خالد عن هشام ، به .
فإنه حديث منكر غريب وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري قال لا يتابع في حديثه وقال البخاري منكر الحديث الحافظ أبو الفتح الأزدي
وتكلم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى مما وقفه عليها جبريل وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه ومنه ما يعلمه العلماء ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها ومنه ما لا يعذر أحد في جهله كما صرح بذلك ابن عباس فيما قال ابن جرير حدثنا حدثنا محمد بن بشار مؤمل حدثنا سفيان ، عن عن أبي الزناد قال : قال الأعرج ابن عباس التفسير على أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله .
قال ابن جرير وقد روي نحوه في حديث في إسناده نظر
حدثني أنبأنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ابن وهب قال : سمعت عمرو بن الحارث يحدث عن الكلبي ، عن عن أبي صالح مولى أم هانئ ، عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به وتفسير تفسره [ العرب وتفسير [ ص: 15 ] تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب .
والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي فإنه متروك الحديث لكن قد يكون إنما وهم في رفعه ولعله من كلام ابن عباس كما تقدم والله أعلم بالصواب .