[ ص: 111 ]  ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   ( 80 ) وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   ( 81 ) ) . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا جرير  ، عن قابوس بن أبي ظبيان  ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   ) . 
وقال  الحسن البصري  في تفسير هذه الآية : إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة  ، فأمره أن يخرج إلى المدينة  ، فهو الذي قال الله عز وجل : : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق   ) 
وقال قتادة   : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق   ) يعني المدينة   ( وأخرجني مخرج صدق   ) يعني مكة   . 
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم   . وهذا القول هو أشهر الأقوال . 
وقال : العوفي  عن ابن عباس   : ( أدخلني مدخل صدق   ) يعني الموت ( وأخرجني مخرج صدق   ) يعني الحياة بعد الموت . وقيل غير ذلك من الأقوال . والأول أصح ، وهو اختيار ابن جرير   . 
وقوله : ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   ) قال  الحسن البصري  في تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس ، وعز فارس ، وليجعلنه له ، وملك الروم ، وعز الروم ، وليجعلنه له  . 
وقال قتادة  فيها إن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، علم ألا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله ، ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ؛ فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده ، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم . 
قال مجاهد   : ( سلطانا نصيرا ) حجة بينة . 
واختار ابن جرير  قول الحسن  وقتادة  ، وهو الأرجح ؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ؛ ولهذا قال [ سبحانه ] وتعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب   ) [ الحديد : 25 ] وفي الحديث :  " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن  " أي : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن ، وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع . 
وقوله : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   ) تهديد ووعيد لكفار قريش ؛ فإنه قد  [ ص: 112 ] جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه ولا قبل لهم به ، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع . وزهق باطلهم ، أي اضمحل وهلك ، فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق   ) [ الأنبياء : 18 ] . 
وقال  البخاري   : حدثنا  الحميدي  ، حدثنا سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، عن أبي معمر  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة  وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ، ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   ) ، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد "  . 
وكذا رواه  البخاري  أيضا في غير هذا الموضع ، ومسلم  ،  والترمذي  ،  والنسائي  ، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة  به . [ وكذا رواه عبد الرزاق  عن الثوري  عن ابن أبي نجيح   ] . 
وكذا رواه  الحافظ أبو يعلى   : حدثنا زهير  ، حدثنا شبابة  ، حدثنا المغيرة  ، حدثنا أبو الزبير  ، عن جابر  رضي الله عنه ، قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة  ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما يعبدون من دون الله . فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها ، وقال : " جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا "  . 
				
						
						
