( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين    ( 38 ) ) ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون   ( 39 ) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون   ( 40 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن الكفار يوم القيامة أنهم أسمع شيء وأبصره كما قال تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون   ) [ السجدة : 12 ] أي : يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئا ، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب ، لكان نافعا لهم ومنقذا من عذاب الله ، ولهذا قال : ( أسمع بهم وأبصر ) أي : ما أسمعهم وأبصرهم ) يوم يأتوننا ) يعني : يوم القيامة ) لكن الظالمون اليوم ) أي : في الدنيا ) في ضلال مبين ) أي : لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون ، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك . 
 [ ص: 233 ] 
ثم قال تعالى : ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) أي : أنذر الخلائق يوم الحسرة ، ( إذ قضي الأمر ) أي : فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدا فيه ، ( وهم ) أي : اليوم ) في غفلة ) عما أنذروا به ) وهم لا يؤمنون ) أي : لا يصدقون به . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن عبيد  ، حدثنا الأعمش ،  عن أبي صالح  ، عن  أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار  ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال : " فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم هذا الموت " . قال : " فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت " قال : " فيؤمر به فيذبح " قال : " ويقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة   ) وأشار بيده قال : " أهل الدنيا في غفلة الدنيا "  . 
هكذا رواه  الإمام أحمد  وقد أخرجه  البخاري  ومسلم  في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ،  به . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة   : حدثني أسباط بن محمد  ، عن الأعمش ،  عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  مرفوعا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه  وغيره ، من حديث محمد بن عمرو  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  بنحوه وهو في الصحيحين عن ابن عمر   . ورواه  ابن جريج  قال : قال ابن عباس   : فذكر من قبله نحوه . ورواه أيضا عن أبيه أنه سمع  عبيد بن عمير  يقول في قصصه : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون وقال  سفيان الثوري  ، عن سلمة بن كهيل  ، حدثنا أبو الزعراء  ، عن  عبد الله - هو ابن مسعود   - في قصة ذكرها ، قال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة قال : ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم . . . 
وقال  السدي ،  عن زياد ،  عن زر بن حبيش  ، عن ابن مسعود  في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر   ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى : يا أهل  [ ص: 234 ] النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى : يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة ماتوا فذلك قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر   ) يقول : إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره  . 
وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده . 
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة   ) قال : يوم القيامة ، وقرأ : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله   ) [ الزمر : 56 ] 
وقوله : ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون   ) يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف ، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو ، تعالى وتقدس ولا أحد يدعي ملكا ولا تصرفا ، بل هو الوارث لجميع خلقه ، الباقي بعدهم ، الحاكم فيهم ، فلا تظلم نفس شيئا ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة . 
قال ابن أبي حاتم   : ذكر  هدبة بن خالد القيسي   : حدثنا حزم بن أبي حزم القطعي  قال : كتب عمر بن عبد العزيز  إلى  عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة   : أما بعد ، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت ، فجعل مصيرهم إليه ، وقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على خلقه : أنه يرث الأرض ومن عليها ، وإليه يرجعون  . 
				
						
						
