( الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا  وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى   ( 53 ) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى   ( 54 ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى   ( 55 ) ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى   ( 56 ) ) . 
هذا من تمام كلام موسى  فيما وصف به ربه - عز وجل - حين سأله فرعون  عنه ، فقال : ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) ، ثم اعترض الكلام بين ذلك ، ثم قال : ( الذي جعل لكم الأرض مهادا )  [ ص: 299 ] وفي قراءة بعضهم " مهدا " أي : قرارا تستقرون عليها وتقومون وتنامون عليها وتسافرون على ظهرها ، ( وسلك لكم فيها سبلا   ) أي : جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها ، كما قال تعالى : ( وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون   ) [ الأنبياء : 31 ] . 
( وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى   ) أي : من ألوان النباتات من زروع وثمار ، ومن حامض وحلو ، وسائر الأنواع . 
( كلوا وارعوا أنعامكم   ) 
أي : شيء لطعامكم وفاكهتكم ، وشيء لأنعامكم لأقواتها خضرا ويابسا . 
( إن في ذلك لآيات   ) أي : لدلالات وحججا وبراهين ( لأولي النهى   ) أي : لذوي العقول السليمة المستقيمة ، على أنه لا إله إلا الله ، ولا رب سواه . 
( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى   ) 
أي : من الأرض مبدؤكم ، فإن أباكم آدم  مخلوق من تراب من أديم الأرض ، ( وفيها نعيدكم   ) أي : وإليها تصيرون إذا متم وبليتم ، ومنها نخرجكم تارة أخرى . ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا   ) [ الإسراء : 52 ] . 
وهذه الآية كقوله تعالى : ( قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون   ) [ الأعراف : 25 ] . 
وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة ، فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر ثم قال ( منها خلقناكم   ) ثم أخذ أخرى وقال : ( وفيها نعيدكم   ) . ثم أخذ أخرى وقال : ( ومنها نخرجكم تارة أخرى   ) . 
وقوله ( ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى   ) ، يعني : فرعون  أنه قامت عليه الحجج والآيات والدلالات وعاين ذلك وأبصره ، فكذب بها وأباها كفرا وعنادا وبغيا ، كما قال تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين   ) [ النمل : 14 ] . 
				
						
						
