يقول تعالى مخبرا أنه أمر موسى ، عليه السلام ، حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل ، أن يسري بهم في الليل ، ويذهب بهم من قبضة فرعون . وقد بسط الله هذا المقام في غير هذه السورة الكريمة . وذلك أن موسى لما خرج ببني إسرائيل أصبحوا وليس منهم بمصر لا داع ولا مجيب ، فغضب فرعون غضبا شديدا وأرسل في المدائن حاشرين ، أي من يجمعون له الجند من بلدانه ورساتيقه ، يقول : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون ) [ الشعراء : 54 ، 55 ] ثم لما جمع جنده واستوثق له جيشه ، ساق في طلبهم ( فأتبعوهم مشرقين ) [ الشعراء : 60 ] أي : عند طلوع الشمس ( فلما تراءى الجمعان ) أي : نظر كل من الفريقين إلى الآخر ( قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ) [ الشعراء : 61 ، 62 ] ، ووقف موسى ببني إسرائيل ، البحر أمامهم ، وفرعون وراءهم ، فعند ذلك أوحى الله إليه أن ( اضرب لهم طريقا في البحر يبسا ) فضرب البحر بعصاه ، وقال : " انفلق بإذن الله " ( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) [ الشعراء : 63 ] أي : الجبل العظيم . فأرسل الله الريح على أرض البحر فلفحته حتى صار يابسا كوجه الأرض; فلهذا قال : ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ) أي : من فرعون ، ( ولا تخشى ) يعني : من البحر أن يغرق قومك .
ثم قال تعالى : ( فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ) أي : البحر ) ما غشيهم ) أي : الذي هو معروف ومشهور . وهذا يقال عند الأمر المعروف المشهور ، كما قال تعالى : ( والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى ) [ النجم : 53 ، 54 ] ، وكما قال الشاعر :
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي : الذي يعرف ، وهو مشهور . [ ص: 308 ] وكما تقدمهم فرعون فسلك بهم في اليم فأضلهم وما هداهم إلى سبيل الرشاد ، كذلك ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) [ هود : 98 ] .