( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب    ( 32 ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق   ( 33 ) ) .  [ ص: 421 ] 
يقول تعالى : هذا ( ومن يعظم شعائر الله   ) أي : أوامره ، ( فإنها من تقوى القلوب   ) ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن ، كما قال الحكم ،  عن مقسم ،  عن ابن عباس   : تعظيمها : استسمانها واستحسانها . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو سعيد الأشج ،  حدثنا  حفص بن غياث ،  عن  ابن أبي ليلى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس   : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله   ) قال : الاستسمان والاستحسان والاستعظام . 
وقال أبو أمامة بن سهل   : كنا نسمن الأضحية  بالمدينة ،  وكان المسلمون يسمنون  . رواه  البخاري   . 
وعن  أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين  " . رواه أحمد ،   وابن ماجه   . 
قالوا : والعفراء هي البيضاء بياضا ليس بناصع ، فالبيضاء أفضل من غيرها ، وغيرها يجزئ أيضا; لما ثبت في صحيح  البخاري ،  عن أنس   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين  . 
وعن أبي سعيد   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد 
رواه أهل السنن ، وصححه الترمذي  ، أي : بكبش أسود في هذه الأماكن . 
وفي سنن ابن ماجه  ، عن أبي رافع   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين  . قيل : هما الخصيان . وقيل : اللذان رض خصياهما ، ولم يقطعهما ، والله أعلم . 
وكذا روى أبو داود   وابن ماجه  عن جابر   : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين  [ والموجوءين قيل : هما الخصيان ] . 
وعن علي  رضي الله عنه ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وألا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا شرقاء ، ولا خرقاء 
رواه أحمد ،  وأهل السنن ، وصححه الترمذي   . 
ولهم عنه ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن  .  [ ص: 422 ] 
وقال  سعيد بن المسيب   : العضب : النصف فأكثر . 
وقال بعض أهل اللغة : إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء ، فأما العضب فهو كسر الأسفل ، وعضب الأذن قطع بعضها . 
وعند الشافعي أن التضحية بذلك مجزئة ، لكن تكره . 
وقال [ الإمام ] أحمد   : لا تجزئ الأضحية بأعضب القرن والأذن; لهذا الحديث . 
وقال مالك   : إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ ، وإلا أجزأ ، والله أعلم . 
وأما المقابلة : فهي التي قطع مقدم أذنها ، والمدابرة : من مؤخر أذنها . والشرقاء : هي التي قطعت أذنها طولا قاله الشافعي . والخرقاء : هي التي خرقت السمة أذنها خرقا مدورا ، والله أعلم . 
وعن البراء  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " أربع لا تجوز في الأضاحي   : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسيرة التي لا تنقى " . 
رواه أحمد ،  وأهل السنن ، وصححه الترمذي   . 
وهذه العيوب تنقص اللحم ، لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي; لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى ، فلهذا لا تجزئ التضحية بها عند  الشافعي  وغيره من الأئمة ، كما هو ظاهر الحديث . 
واختلف قول  الشافعي  في المريضة مرضا يسيرا ، على قولين . 
وروى أبو داود ،  عن  عتبة بن عبد السلمي;  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المصفرة ، والمستأصلة ، والبخقاء ، والمشيعة ، والكسراء . 
فالمصفرة قيل : الهزيلة . وقيل : المستأصلة الأذن . والمستأصلة : المكسورة القرن . والبخقاء : هي العوراء . والمشيعة : هي التي لا تزال تشيع خلف الغنم ، ولا تتبع لضعفها . والكسراء : العرجاء . 
فهذه العيوب كلها مانعة [ من الإجزاء ، فإن طرأ العيب ] بعد تعيين الأضحية فإنه لا يضر عيبه عند  الشافعي  خلافا  لأبي حنيفة   . 
وقد روى الإمام أحمد ،  عن أبي سعيد  قال : اشتريت كبشا أضحي به ، فعدا الذئب فأخذ الألية . فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ضح به " ولهذا [ جاء ] في الحديث : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن . أي : أن تكون  [ ص: 423 ] الهدية أو الأضحية سمينة حسنة ثمينة ، كما رواه الإمام أحمد  وأبو داود ،  عن عبد الله بن عمر  قال : أهدى عمر  نجيبا ، فأعطي بها ثلاثمائة دينار ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أهديت نجيبا ، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار ، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا ؟ قال : " لا انحرها إياها "  . 
وقال الضحاك ،  عن ابن عباس   : البدن من شعائر الله . 
وقال محمد بن أبي موسى   : الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والبدن والحلق : من شعائر الله . 
وقال ابن عمر   : أعظم الشعائر البيت . 
قوله : ( لكم فيها منافع   ) أي : لكم في البدن منافع ، من لبنها ، وصوفها وأوبارها وأشعارها ، وركوبها . 
( إلى أجل مسمى   ) : قال مقسم ،  عن ابن عباس   [ في قوله ] : ( لكم فيها منافع إلى أجل مسمى   ) قال : ما لم يسم بدنا . 
وقال مجاهد  في قوله : ( لكم فيها منافع إلى أجل مسمى   ) ، قال : الركوب واللبن والولد ، فإذا سميت بدنة أو هديا ، ذهب ذلك كله . وكذا قال عطاء ،  والضحاك ،  وقتادة ،   [ ومقاتل ]   وعطاء الخراساني ،  وغيرهم . 
وقال آخرون : بل له أن ينتفع بها وإن كانت هديا ، إذا احتاج إلى ذلك ، كما ثبت في الصحيحين عن أنس   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، قال : " اركبها " . قال : إنها بدنة . قال : " اركبها ، ويحك " ، في الثانية أو الثالثة . 
وفي رواية لمسلم ،  عن جابر ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها "  . 
وقال شعبة ،  عن زهير بن أبي ثابت الأعمى ،  عن المغيرة بن حذف ،  عن علي;  أنه رأى رجلا يسوق بدنة ومعها ولدها ، فقال : لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها ، فإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها  . 
وقوله : ( ثم محلها إلى البيت العتيق   ) أي : محل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق ، وهو الكعبة ، كما قال تعالى : ( هديا بالغ الكعبة   ) [ المائدة : 95 ] ، وقال ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله   ) [ الفتح : 25 ] . 
وقد تقدم الكلام على معنى " البيت العتيق " قريبا ، ولله الحمد . 
وقال  ابن جريج ،  عن عطاء   : كان ابن عباس  يقول : كل من طاف بالبيت ، فقد حل ، قال الله تعالى : ( ثم محلها إلى البيت العتيق   ) 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					