( أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم    ( 62 ) إنا جعلناها فتنة للظالمين   ( 63 ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم   ( 64 ) طلعها كأنه رءوس الشياطين   ( 65 ) فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون   ( 66 ) ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم   ( 67 ) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم   ( 68 ) إنهم ألفوا آباءهم ضالين   ( 69 ) فهم على آثارهم يهرعون   ( 70 ) ) 
يقول الله تعالى : أهذا الذي ذكره من نعيم الجنة وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح وغير ذلك من الملاذ - خير ضيافة وعطاء ( أم شجرة الزقوم   ) ؟ أي : التي في جهنم . 
وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك شجرة واحدة معينة ، كما قال بعضهم من أنها شجرة تمتد فروعها إلى جميع محال جهنم كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنة إلا وفيها منها غصن . 
وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك جنس شجر ، يقال له : الزقوم ، كقوله تعالى : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين   ) [ المؤمنون : 20 ] ، يعني الزيتونة . ويؤيد ذلك قوله تعالى : ( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون . لآكلون من شجر من زقوم   ) [ الواقعة : 51 ، 52 ] . 
وقوله : ( إنا جعلناها فتنة للظالمين   ) ، قال قتادة   : ذكرت شجرة الزقوم ، فافتتن بها أهل الضلالة ،  [ ص: 20 ] وقالوا : صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله - عز وجل - : ( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم   ) غذت من النار ، ومنها خلقت . 
وقال مجاهد   : ( إنا جعلناها فتنة للظالمين   ) قال أبو جهل   - لعنه الله - : إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه . 
قلت : ومعنى الآية : إنما أخبرناك يا محمد  بشجرة الزقوم اختبارا تختبر به الناس ، من يصدق منهم ممن يكذب ، كقوله تعالى : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا   ) [ الإسراء : 60 ] . 
وقوله : ( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم   ) أي : أصل منبتها في قرار النار ، ( طلعها كأنه رءوس الشياطين   ) تبشيع [ لها ] وتكريه لذكرها . 
قال  وهب بن منبه   : شعور الشياطين قائمة إلى السماء . 
وإنما شبهها برءوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين ; لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر . 
وقيل : المراد بذلك ضرب من الحيات ، رءوسها بشعة المنظر . 
وقيل : جنس من النبات ، طلعه في غاية الفحاشة . 
وفي هذين الاحتمالين نظر ، وقد ذكرهما ابن جرير  ، والأول أقوى وأولى ، والله أعلم . 
وقوله : ( فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون   ) ، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها ، ولا أقبح من منظرها ، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع ، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها ، لأنهم لا يجدون إلا إياها ، وما في معناها ، كما قال [ تعالى ] : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع . لا يسمن ولا يغني من جوع   ) [ الغاشية : 6 ، 7 ] . 
وقال ابن أبي حاتم  ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن مرزوق  ، حدثنا شعبة  ، عن الأعمش  ، عن مجاهد  ، عن ابن عباس   - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية ، وقال :  " اتقوا الله حق تقاته ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا ، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه ؟ "  . 
ورواه الترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن ماجه  ، من حديث شعبة  ، وقال الترمذي   : حسن صحيح . 
وقوله تعالى : ( ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم   ) قال ابن عباس   : يعني شرب الحميم على الزقوم . 
 [ ص: 21 ] 
وقال في رواية عنه : ( شوبا من حميم   ) مزجا من حميم . 
وقال غيره : يعني يمزج لهم الحميم بصديد وغساق ، مما يسيل من فروجهم وعيونهم . 
وقال ابن أبي حاتم  ، حدثنا أبي ، حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي  ، حدثنا بقية بن الوليد  ، عن  صفوان بن عمرو  ، أخبرني عبيد بن بسر  عن  أبي أمامة الباهلي  رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول :  " يقرب - يعني إلى أهل النار - ماء فيتكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه فيه . فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره "  . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع  ، حدثنا يعقوب بن عبد الله  ، عن جعفر  وهارون بن عنترة  ، عن سعيد بن جبير  قال : إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم [ فيها ] . فلو أن مارا يمر بهم يعرفهم لعرف وجوههم فيها ، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل - وهو الذي قد انتهى حره - فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود ، ويصهر ما في بطونهم ، فيمشون تسيل أمعاؤهم وتتساقط جلودهم ، ثم يضربون بمقامع من حديد ، فيسقط كل عضو على حياله ، يدعون بالثبور . 
وقوله : ( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم   ) أي : ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج ، وجحيم تتوقد ، وسعير تتوهج ، فتارة في هذا وتارة في هذا ، كما قال تعالى : ( يطوفون بينها وبين حميم آن   ) [ الرحمن : 44 ] . هكذا تلا قتادة  هذه الآية عند هذه الآية ، وهو تفسير حسن قوي . 
وقال  السدي  في قراءة عبد الله   : " ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم " وكان عبد الله  يقول : والذي نفسي بيده لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . ثم قرأ : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا   ) [ الفرقان : 24 ] . 
وروى الثوري  ، عن ميسرة  ، عن  المنهال بن عمرو  ، عن أبي عبيدة  ، عن عبد الله  قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء ويقيل هؤلاء . قال سفيان   : أراه ، ثم قرأ : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا   ) ، ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم "  . 
قلت : على هذا التفسير تكون " ثم " عاطفة لخبر على خبر . 
وقوله : ( إنهم ألفوا آباءهم ضالين   ) أي : إنما جازيناهم بذلك لأنهم وجدوا آباءهم على الضلالة فاتبعوهم فيها بمجرد ذلك ، من غير دليل ولا برهان ; ولهذا قال : ( فهم على آثارهم يهرعون   ) قال  [ ص: 22 ] مجاهد   : شبيهة بالهرولة . وقال سعيد بن جبير   : يسفهون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					