( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين    ( 40 ) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل   ( 41 ) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم   ( 42 ) ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور   ( 43 ) ) 
قوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها   ) كقوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم   ) [ البقرة : 194 ]  [ ص: 212 ] وكقوله ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين   ) [ النحل : 129 ] فشرع العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو ، كقوله [ تعالى ] ( والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له   ) [ المائدة : 45 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله   ) أي : لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث :  " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " وقوله : ( إنه لا يحب الظالمين   ) أي : المعتدين ، وهو المبتدئ بالسيئة . 
[ وقال بعضهم : لما كانت الأقسام ثلاثة : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات ، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها   ) ، ثم ذكر السابق بقوله : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله   ) ثم ذكر الظالم بقوله : ( إنه لا يحب الظالمين   ) فأمر بالعدل ، وندب إلى الفضل ، ونهى من الظلم ] . 
ثم قال : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل   ) أي : ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم . 
قال ابن جرير  حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع  حدثنا معاذ بن معاذ  ، حدثنا ابن عون  قال : كنت أسأل عن الانتصار : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل   ) فحدثني  علي بن زيد بن جدعان  عن أم محمد   - امرأة أبيه - قال ابن عون   : زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة   - قالت : قالت أم المؤمنين : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندنا زينب بنت جحش ،  فجعل يصنع بيده شيئا فلم يفطن لها ، فقلت بيده حتى فطنته لها ، فأمسك . وأقبلت زينب  تقحم  لعائشة ،  فنهاها ، فأبت أن تنتهي . فقال  لعائشة   : " سبيها " فسبتها فغلبتها ، وانطلقت زينب  فأتت عليا  فقالت : إن عائشة  تقع بكم ، وتفعل بكم . فجاءت فاطمة  فقال لها " إنها حبة أبيك ورب الكعبة " فانصرفت ، وقالت لعلي   : إني قلت له كذا وكذا ، فقال لي كذا وكذا . قال : وجاء علي  إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلمه في ذلك . 
هكذا ورد هذا السياق  ، وعلي بن زيد بن جدعان  يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا ، وهذا فيه نكارة ، والحديث الصحيح خلاف هذا السياق ، كما رواه  النسائي   وابن ماجه  من حديث  خالد بن سلمة الفأفاء  ، عن عبد الله البهي  ، عن عروة  قال : قالت عائشة ،  رضي الله عنها : ما علمت حتى دخلت علي زينب  بغير إذن وهي غضبى ، ثم قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر  ذريعتيها ثم أقبلت علي فأعرضت عنها ، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دونك فانتصري " فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ، ما ترد علي شيئا . فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهلل وجهه  . وهذا لفظ  [ ص: 213 ]  النسائي   . 
وقال البزار   : حدثنا يوسف بن موسى  ، حدثنا أبو غسان  ، حدثنا أبو الأحوص  عن أبي حمزة  ، عن إبراهيم  ، عن الأسود  ، عن عائشة ،  رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " من دعا على من ظلمه فقد انتصر " . 
ورواه الترمذي  من حديث أبي الأحوص  ، عن  أبي حمزة - واسمه ميمون   - ثم قال : " لا نعرفه إلا من حديثه ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه " . 
وقوله : ( إنما السبيل   ) أي : إنما الحرج والعنت ( على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق   ) أي : يبدؤون الناس بالظلم . كما جاء في الحديث الصحيح :  " المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم "  . 
( أولئك لهم عذاب أليم   ) أي : شديد موجع . 
قال أبو بكر بن أبي شيبة   : حدثنا الحسن بن موسى  ، حدثنا سعيد بن زيد   - أخو حماد بن زيد   - حدثنا عثمان الشحام  ، حدثنا محمد بن واسع  قال : قدمت مكة  فإذا على الخندق  منظرة ، فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلب  ، وهو أمير على البصرة ،  فقال : حاجتك يا أبا عبد الله   . قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي   . قال : ومن أخو بني عدي ؟  قال : العلاء بن زياد  ، استعمل صديقا له مرة على عمل ، فكتب إليه : أما بعد فإن استطعت ألا تبيت إلا وظهرك خفيف ، وبطنك خميص ، وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم ، فإنك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيل ، ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم   ) فقال صدق والله ونصح ثم قال : ما حاجتك يا أبا عبد الله ؟  قلت : حاجتي أن تلحقني بأهلي . قال : نعم رواه ابن أبي حاتم   . 
ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله  وشرع القصاص ، قال نادبا إلى العفو والصفح : ( ولمن صبر وغفر   ) أي : صبر على الأذى وستر السيئة ، ( إن ذلك لمن عزم الأمور   ) 
قال سعيد بن جبير   : [ يعني ] لمن حق الأمور التي أمر الله بها ، أي : لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي  ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد   - خادم الفضيل بن عياض   - قال : سمعت الفضيل بن عياض  يقول إذا أتاك رجل  [ ص: 214 ] يشكو إليك رجلا فقل : " يا أخي ، اعف عنه " . فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل . فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا  يحيى - يعني ابن سعيد القطان   - عن ابن عجلان  ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد  ، عن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر  والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام ، فلحقه أبو بكر  فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ! قال : " إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان " . ثم قال : " يا أبا بكر  ، ثلاث كلهن حق ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ، إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة ، إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ، إلا زاده الله بها قلة " 
وكذا رواه أبو داود  ، عن عبد الأعلى بن حماد  ، عن سفيان بن عيينة   - قال : ورواه صفوان بن عيسى  ، كلاهما عن محمد بن عجلان  ورواه من طريق الليث  ، عن سعيد المقبري  ، عن بشير بن المحرر  ، عن  سعيد بن المسيب  مرسلا . 
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ، وهو سبب سبه للصديق   . 
				
						
						
