[ ص: 5 ] تفسير سورة الحديد وهي مدنية 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا يزيد بن عبد ربه  ، حدثنا بقية بن الوليد  ، حدثني بحير بن سعد  ، عن خالد بن معدان  ، عن ابن أبي بلال  ، عن  عرباض بن سارية  ، أنه حدثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ، وقال : " إن فيهن آية أفضل من ألف آية  " . 
وهكذا رواه أبو داود  ،  والترمذي  ،  والنسائي  ، من طرق عن بقية  به . وقال الترمذي   : حسن غريب . 
ورواه  النسائي  ، عن ابن أبي السرح  ، عن ابن وهب  ، عن معاوية بن صالح  ، عن بحير بن سعد  ، عن خالد بن معدان  قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . فذكره مرسلا لم يذكر عبد الله بن أبي بلال  ، ولا العرباض بن سارية  
والآية المشار إليها في الحديث هي - والله أعلم - قوله : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ) كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، وبه الثقة 
( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم   ( 1 ) له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير   ( 2 ) هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ( 3 ) ) 
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات والأرض أي : من الحيوانات والنباتات ، كما قال في الآية الأخرى : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا   ) [ الإسراء : 44 ] . 
وقوله : ( وهو العزيز ) أي : الذي قد خضع له كل شيء ) الحكيم ) في خلقه ، وأمره ، وشرعه 
( له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت   ) أي : هو المالك المتصرف في خلقه فيحيي ويميت ، ويعطي من يشاء ما يشاء ، ( وهو على كل شيء قدير   ) أي : ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . 
وقوله : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن   ) وهذه الآية هي المشار إليها في حديث العرباض بن سارية   : أنها أفضل من ألف آية . 
 [ ص: 6 ] 
وقال أبو داود :  حدثنا  عباس بن عبد العظيم  ، حدثنا النضر بن محمد  ، حدثنا  عكرمة - يعني بن عمار   - حدثنا أبو زميل  قال : سألت ابن عباس  فقلت : ما شيء أجده في صدري ؟ قال : ما هو ؟ قلت : والله لا أتكلم به ، قال : فقال لي أشيء من شك ؟ قال : - وضحك - قال : ما نجا من ذلك أحد قال : حتى أنزل الله ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك [ لقد جاءك الحق من ربك ]   ) الآية [ يونس : 94 ] قال : وقال لي : إذا وجدت في نفسك شيئا فقل : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ) 
وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية وأقوالهم على نحو من بضعة عشر قولا . 
وقال  البخاري   : قال يحيى   : الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما 
قال شيخنا الحافظ المزي   : يحيى هذا هو بن زياد الفراء ، له كتاب سماه : " معاني القرآن " . 
وقد ورد في ذلك أحاديث ، فمن ذلك ما قال  الإمام أحمد   : حدثنا خلف بن الوليد  ، حدثنا  ابن عياش  ، عن سهيل بن أبي صالح  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو عند النوم : " اللهم رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، منزل التوراة ، والإنجيل والفرقان ، فالق الحب والنوى ، لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول ليس قبلك شيء ، وأنت الآخر ليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر ليس فوقك شيء ، وأنت الباطن ليس دونك شيء . اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر  " 
ورواه مسلم  في صحيحه : حدثني  زهير بن حرب  ، حدثنا جرير  ، عن سهيل  قال : كان أبو صالح  يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام : أن يضطجع على شقه الأيمن ، ثم يقول : اللهم رب السماوات ، ورب الأرض ، ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة ، والإنجيل ، والفرقان ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر  . 
وكان يروي ذلك عن  أبي هريرة  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 
وقد روى  الحافظ أبو يعلى الموصلي  في مسنده عن  عائشة أم المؤمنين  نحو هذا ، فقال حدثنا عقبة  ، حدثنا يونس  ، حدثنا  السري بن إسماعيل  ، عن الشعبي  ، عن مسروق  ، عن عائشة  أنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة ، فإذا أوى إليه توسد كفه اليمنى ، ثم همس - ما يدرى ما يقول - فإذا كان في آخر الليل رفع صوته فقال : " اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، إله كل شيء ، ورب كل شيء ، ومنزل التوراة ، والإنجيل ، والفرقان ،  [ ص: 7 ] فالق الحب والنوى ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت الأول الذي ليس قبلك شيء ، وأنت الآخر الذي ليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر  " 
 السري بن إسماعيل  هذا ابن عم الشعبي  ، وهو ضعيف جدا والله أعلم . 
وقال أبو عيسى الترمذي  عند تفسير هذه الآية : حدثنا عبد بن حميد  وغير واحد - المعنى واحد - قالوا : حدثنا يونس بن محمد  ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن  ، عن قتادة  قال : حدث الحسن  ، عن  أبي هريرة  قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأصحابه ، إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل تدرون ما هذا ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا العنان ، هذه روايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه " . ثم قال : " هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنها الرقيع ، سقف محفوظ ، وموج مكفوف " . ثم قال : " هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " بينكم وبينها خمسمائة سنة " . ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة - حتى عد سبع سماوات - ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض " . ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن فوق ذلك العرش ، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين " . ثم قال : " هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها الأرض " . ثم قال : " هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة - حتى عد سبع أرضين - بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة " . ثم قال : " والذي نفس محمد بيده ، لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله " ، ثم قرأ : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ) 
ثم قال الترمذي   : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، ويروى عن أيوب  ، ويونس - يعني بن عبيد   -  وعلي بن زيد  قالوا : لم يسمع الحسن  من  أبي هريرة   . وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا : إنما هبط على علم الله ، وقدرته ، وسلطانه ، وعلم الله ، وقدرته ، وسلطانه في كل مكان ، وهو على العرش ، كما وصف في كتابه . انتهى كلامه 
وقد روى  الإمام أحمد  هذا الحديث عن سريج  ، عن الحكم بن عبد الملك  ، عن قتادة  ، عن الحسن  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، وعنده بعد ما بين الأرضين مسيرة سبعمائة عام ، وقال : " لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط على الله " ، ثم قرأ : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ) 
 [ ص: 8 ] 
ورواه بن أبي حاتم  ،  والبزار  من حديث  أبي جعفر الرازي  ، عن قتادة  ، عن الحسن  ، عن  أبي هريرة   . . . فذكر الحديث ، ولم يذكر ابن أبي حاتم  آخره وهو قوله : " لو دليتم بحبل " ، وإنما قال : " حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام " ، ثم تلا ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم   ) 
وقال البزار   : لم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا  أبو هريرة   . 
ورواه ابن جرير  ، عن بشر  ، عن يزيد  ، عن سعيد  ، عن قتادة   :  ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن   ) ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب ، فقال : " هل تدرون ما هذا ؟  " وذكر الحديث مثل سياق الترمذي  سواء ، إلا أنه مرسل من هذا الوجه ، ولعل هذا هو المحفوظ ، والله أعلم . وقد روي من حديث  أبي ذر الغفاري  ، رضي الله عنه وأرضاه ، رواه البزار  في مسنده  ، والبيهقي  في كتاب الأسماء والصفات ، ولكن في إسناده نظر ، وفي متنه غرابة ونكارة ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 
وقال ابن جرير  عند قوله تعالى ( ومن الأرض مثلهن   ) [ الطلاق " 12 " ] حدثنا ابن عبد الأعلى  ، حدثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  قال : التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض ، فقال بعضهم لبعض : من أين جئت ؟ قال أحدهم : أرسلني ربي ، عز وجل ، من السماء السابعة ، وتركته ، ثم ، قال الآخر : أرسلني ربي ، عز وجل من الأرض السابعة ، وتركته ، ثم ، قال الآخر : أرسلني ربي من المشرق ، وتركته ، ثم قال الآخر : أرسلني ربي من المغرب ، وتركته ، ثم
وهذا [ حديث ] غريب جدا ، وقد يكون الحديث الأول موقوفا على قتادة كما روي ها هنا من قوله ، والله أعلم . 
				
						
						
