[ ص: 184 ] تفسير سورة " ن " وهي مدنية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( ن والقلم وما يسطرون   ( 1 ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون   ( 2 ) وإن لك لأجرا غير ممنون   ( 3 ) وإنك لعلى خلق عظيم   ( 4 ) فستبصر ويبصرون   ( 5 ) بأييكم المفتون   ( 6 ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين   ( 7 ) ) 
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول " سورة البقرة " ، وأن قوله : ( ن ) كقوله : ( ص ) ) ق ) ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور ، وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن إعادته . 
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط ، وهو حامل للأرضين السبع ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير   : 
حدثنا ابن بشار  ، حدثنا يحيى  ، حدثنا  سفيان - هو الثوري   - حدثنا  سليمان - هو الأعمش   - عن  أبي ظبيان  ، عن ابن عباس  قال : أول ما خلق الله القلم قال : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر . فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة . ثم خلق " النون " ورفع بخار الماء ، ففتقت منه السماء ، وبسطت الأرض على ظهر النون ، فاضطرب النون فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال ، فإنها لتفخر على الأرض  . 
وكذا رواه ابن أبي حاتم  ، عن أحمد بن سنان  ، عن أبي معاوية  ، عن الأعمش  به . وهكذا رواه شعبة  ،  ومحمد بن فضيل  ،  ووكيع  ، عن الأعمش  ، به . وزاد شعبة  في روايته : ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون   ) وقد رواه شريك  ، عن الأعمش  ، عن  أبي ظبيان   - أو مجاهد  ، - عن ابن عباس  فذكر نحوه . ورواه معمر  ، عن الأعمش   : أن ابن عباس  قال . . . فذكره ، ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون   ) ثم قال ابن جرير   : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا جرير  ، عن عطاء  ، عن أبي الضحى  ، عن ابن عباس  قال : إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم ، ثم قال له : اكتب . فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة . ثم خلق " النون " فوق الماء ، ثم كبس الأرض عليه  . 
 [ ص: 185 ] 
وقد روى  الطبراني  ذلك مرفوعا فقال : حدثنا أبو حبيب زيد بن المهتدي المروذي  ، حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني  ، حدثنا  مؤمل بن إسماعيل  ، حدثنا حماد بن زيد  ، عن عطاء بن السائب  ، عن  أبي الضحى مسلم بن صبيح  ، عن ابن عباس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول ما خلق الله القلم والحوت ، قال للقلم : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : كل شيء كائن إلى يوم القيامة " . ثم قرأ : ( ن والقلم وما يسطرون   ) فالنون : الحوت . والقلم : القلم . 
حديث آخر في ذلك : رواه  ابن عساكر  ، عن أبي عبد الله مولى بني أمية  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة   : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول شيء خلقه الله القلم ، ثم خلق " النون " وهي : الدواة . ثم قال له : اكتب . قال وما أكتب ؟ قال : اكتب ما يكون - أو : ما هو كائن - من عمل ، أو رزق ، أو أثر ، أو أجل . فكتب ذلك إلى يوم القيامة ، فذلك قوله : ( ن والقلم وما يسطرون   ) ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة ، ثم خلق العقل وقال : وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك ممن أبغضت  " . 
وقال ابن أبي نجيح   : إن إبراهيم بن أبي بكر  أخبره عن مجاهد  قال : كان يقال : النون : الحوت العظيم الذي تحت الأرض السابعة . 
وذكر البغوي  وجماعة من المفسرين : إن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السماوات والأرض ، وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن ، وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن فالله أعلم . ومن العجيب أن بعضهم حمل على هذا المعنى الحديث الذي رواه  الإمام أحمد   : 
حدثنا إسماعيل  ، حدثنا حميد  ، عن أنس   : أن  عبد الله بن سلام  بلغه مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فأتاه فسأله عن أشياء ، قال : إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي ، قال : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه ؟ والولد ينزع إلى أمه ؟ قال : " أخبرني بهن جبريل  آنفا " . قال ابن سلام   : فذاك عدو اليهود  من الملائكة . قال : " أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب . وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد حوت . وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت  " . 
 [ ص: 186 ] 
ورواه  البخاري  من طرق عن حميد  ، ورواه مسلم  أيضا ، وله من حديث ثوبان   - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا . وفي صحيح مسلم  من حديث  أبي أسماء الرحبي  ، عن ثوبان   : أن حبرا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مسائل ، فكان منها أن قال : فما تحفتهم ؟ - يعني أهل الجنة حين يدخلون الجنة - قال : " زيادة كبد الحوت " . قال : فما غذاؤهم على أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا  " . 
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) لوح من نور . 
قال ابن جرير   : حدثنا الحسين بن شبيب المكتب  ، حدثنا محمد بن زياد الجزري  ، عن فرات بن أبي الفرات  ، عن معاوية بن قرة  ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "  ( ن والقلم وما يسطرون   ) لوح من نور ، وقلم من نور ، يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة  " وهذا مرسل غريب . 
وقال  ابن جريج  أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام . 
وقيل : المراد بقوله : ( ن ) دواة ، والقلم : القلم . قال ابن جرير   : 
حدثنا عبد الأعلى  ، حدثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن الحسن  ، وقتادة  في قوله : ( ن ) قالا هي الدواة . 
وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جدا ، فقال ابن أبي حاتم   : 
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد  ، حدثنا الحسن بن يحيى  ، حدثنا أبو عبد الله مولى بني أمية  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خلق الله النون ، وهي الدواة  " . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا يعقوب  ، حدثنا أخي عيسى بن عبد الله  ، حدثنا ثابت الثمالي  ، عن ابن عباس  قال : إن الله خلق النون - وهي الدواة - وخلق القلم ، فقال : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول به بر ، أو فجور ، أو رزق مقسوم ، حلال ، أو حرام . ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه : دخوله في الدنيا ، ومقامه فيها كم ؟ وخروجه منها كيف ؟ ثم جعل على العباد حفظة ، وللكتاب خزانا ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم ، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا فترجع الحفظة ، فيجدونهم قد ماتوا . قال : فقال ابن عباس   : ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون   ) [ الجاثية : 29 ] ؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل  . 
 [ ص: 187 ] 
وقوله : ( والقلم ) الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم   ) [ العلق : 3 - 5 ] . فهو قسم منه تعالى ، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ; ولهذا قال : ( وما يسطرون ) قال ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة   : يعني : وما يكتبون . 
وقال أبو الضحى  ، عن ابن عباس   : ( وما يسطرون ) أي : وما يعملون . 
وقال  السدي   : ( وما يسطرون ) يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد . 
وقال آخرون : بل المراد ها هنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف سنة . وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم ، فقال ابن أبي حاتم   : 
حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان  ، ويونس بن حبيب  قالا : حدثنا  أبو داود الطيالسي  ، حدثنا عبد الواحد بن سليم السلمي  ، عن  عطاء - هو ابن أبي رباح   - حدثني الوليد بن عبادة بن الصامت  قال : دعاني أبي حين حضره الموت فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب . قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر [ ما كان ] وما هو كائن إلى الأبد  " . 
وهذا الحديث قد رواه  الإمام أحمد  من طرق ، عن الوليد بن عبادة  ، عن أبيه به . وأخرجه الترمذي  من حديث  أبي داود الطيالسي  به . ، وقال : حسن صحيح غريب . ورواه أبو داود  في كتاب " السنة " من سننه ، عن جعفر بن مسافر  ، عن  يحيى بن حسان  ، عن ابن رباح  ، عن  إبراهيم بن أبي عبلة  ، عن أبي حفصة - واسمه حبيش بن شريح الحبشي الشامي   - عن عبادة  فذكره . 
وقال ابن جرير   : حدثنا محمد بن عبد الله الطوسي  ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق  ، أنبأنا  عبد الله بن المبارك  ، حدثنا رباح بن زيد  ، عن عمر بن حبيب  ، عن القاسم بن أبي بزة  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   : أنه كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أول شيء خلقه الله القلم ، فأمره ، فكتب كل شيء  " . غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجوه 
وقال ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( والقلم ) يعني : الذي كتب به الذكر . . 
وقوله : ( وما يسطرون ) أي : يكتبون كما تقدم . 
 [ ص: 188 ] 
وقوله : ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون   ) أي : لست ، ولله الحمد ، بمجنون ، كما قد يقوله الجهلة من قومك ، المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين ، فنسبوك فيه إلى الجنون ، ( وإن لك لأجرا غير ممنون   ) أي : بل لك الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد ، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق ، وصبرك على أذاهم . ومعنى ) غير ممنون ) أي : غير مقطوع كقوله : ( عطاء غير مجذوذ   ) [ هود : 108 ] ( فلهم أجر غير ممنون   ) [ التين : 6 ] أي : غير مقطوع عنهم . وقال مجاهد   : ( غير ممنون ) أي : غير محسوب ، وهو يرجع إلى ما قلناه . 
وقوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم   ) قال العوفي  ، عن ابن عباس   : أي : وإنك لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام . وكذلك قال مجاهد  ، وأبو مالك  ،  والسدي  ،  والربيع بن أنس  ، والضحاك  ، وابن زيد   . 
وقال عطية   : لعلى أدب عظيم . وقال معمر  ، عن قتادة   : سئلت عائشة  عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت : كان خلقه القرآن ، تقول كما هو في القرآن . 
وقال  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم   ) ذكر لنا أن سعد بن هشام  سأل عائشة  عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن  . 
وقال عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، عن زرارة بن أوفى  ، عن سعد بن هشام  قال : سألت عائشة  فقلت : أخبريني يا أم المؤمنين - عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : أتقرأ القرآن ؟ فقلت : نعم . فقالت : كان خلقه القرآن  . 
هذا حديث طويل . وقد رواه الإمام مسلم  في صحيحه ، من حديث قتادة  بطوله ، وسيأتي في سورة " المزمل " إن شاء الله تعالى . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا إسماعيل  ، حدثنا يونس  ، عن الحسن  ، قال : سألت عائشة  عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كان خلقه القرآن  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا أسود  ، حدثنا شريك  ، عن قيس بن وهب  ، عن رجل من بني سواد  قال : سألت عائشة  عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : أما تقرأ القرآن : ( وإنك لعلى خلق عظيم   ) ؟ قال : قلت : حدثيني عن ذاك . قالت : صنعت له طعاما ، وصنعت له حفصة  طعاما ، فقلت لجاريتي : اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام ! قالت : فجاءت بالطعام . قالت : فألقت الجارية ، فوقعت القصعة فانكسرت - وكان نطعا - قالت : فجمعه رسول الله  [ ص: 189 ] وقال : " اقتضوا - أو : اقتضي - شك أسود - ظرفا مكان ظرفك " . قالت : فما قال شيئا  . 
وقال ابن جرير   : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس  ، حدثنا أبي ، حدثنا المبارك بن فضالة  ، عن الحسن  ، عن سعد بن هشام :  قال : أتيت  عائشة أم المؤمنين  فقلت لها : أخبريني بخلق النبي صلى لله عليه وسلم . فقالت : كان خلقه القرآن . أما تقرأ : ( وإنك لعلى خلق عظيم   ) 
وقد روى أبو داود  ،  والنسائي  من حديث الحسن ، نحوه 
وقال ابن جرير   : حدثني يونس  ، أنبأنا ابن وهب  ، وأخبرني معاوية بن صالح  ، عن  أبي الزاهرية  ، عن  جبير بن نفير  قال : حججت ، فدخلت على عائشة  رضي الله عنها ، فسألتها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن  . 
وهكذا رواه أحمد  ، عن عبد الرحمن بن مهدي   . ورواه  النسائي  في التفسير ، عن إسحاق بن منصور  ، عن عبد الرحمن بن مهدي  ، عن معاوية بن صالح  به 
ومعنى هذا أنه ، عليه السلام ، صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له ، وخلقا تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل . كما ثبت في الصحيحين عن أنس  قال : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي : " أف " قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خزا ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 
وقال  البخاري   : حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله  ، حدثنا إسحاق بن منصور  ، حدثنا إبراهيم بن يوسف  ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق  قال : سمعت البراء  يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وجها ، وأحسن الناس خلقا ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير 
والأحاديث في هذا كثيرة  ولأبي عيسى الترمذي  في هذا كتاب " الشمائل " . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر  ، عن الزهري  ، عن عروة  ، عن عائشة  قالت : ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادما له قط ، ولا امرأة ، ولا ضرب بيده شيئا قط ، إلا أن  [ ص: 190 ] يجاهد في سبيل الله . ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله ، عز وجل 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  سعيد بن منصور  ، حدثنا  عبد العزيز بن محمد  ، عن محمد بن عجلان  ، عن القعقاع بن حكيم  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق  " . تفرد به 
وقوله : ( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون   ) أي : فستعلم يا محمد ، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم . وهذا كقوله تعالى : ( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر   ) [ القمر : 26 ] ، وكقوله : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين   ) [ سبإ : 24 ] . 
قال  ابن جريج   : قال ابن عباس  في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة . 
وقال العوفي  ، عن ابن عباس   : ( بأيكم المفتون   ) أي : الجنون . وكذا قال مجاهد  وغيره . وقال قتادة  وغيره : ( بأيكم المفتون   ) أي : أولى بالشيطان . 
ومعنى المفتون ظاهر ، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : ( بأيكم المفتون   ) لتدل على تضمين الفعل في قوله : ( فستبصر ويبصرون   ) وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أو : فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون . والله أعلم . 
ثم قال تعالى : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين   ) أي : هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي ، ويعلم الحزب الضال عن الحق . 
				
						
						
