[ ص: 410 ] تفسير سورة والشمس وضحاها  وهي مكية . 
تقدم حديث جابر  الذي في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ   : " هلا صليت ب ( سبح اسم ربك الأعلى   ) ( والشمس وضحاها   ) ( والليل إذا يغشى   ) ؟ 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والشمس وضحاها    ( 1 ) والقمر إذا تلاها   ( 2 ) والنهار إذا جلاها   ( 3 ) والليل إذا يغشاها   ( 4 ) والسماء وما بناها   ( 5 ) والأرض وما طحاها   ( 6 ) ونفس وما سواها   ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها   ( 8 ) قد أفلح من زكاها   ( 9 ) وقد خاب من دساها   ( 10 ) ) 
قال مجاهد   : ( والشمس وضحاها   ) أي : وضوئها  . وقال قتادة   : ( وضحاها   ) النهار كله  . 
قال ابن جرير   : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها ; لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار . 
( والقمر إذا تلاها   ) قال مجاهد   : تبعها . وقال العوفي ،  عن ابن عباس   : ( والقمر إذا تلاها   ) قال : يتلو النهار  . وقال قتادة   : ( إذا تلاها   ) ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال  . 
وقال ابن زيد   : هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ، ثم هي تتلوه . وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر . 
وقال مالك ،  عن  زيد بن أسلم   : إذا تلاها ليلة القدر . 
وقوله : ( والنهار إذا جلاها   ) قال مجاهد   : أضاء  . وقال قتادة   : ( والنهار إذا جلاها   ) إذا غشيها النهار  . 
قال ابن جرير   : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، لدلالة الكلام عليها . 
قلت : ولو أن هذا القائل تأول [ ذلك ] بمعنى ( والنهار إذا جلاها   ) أي : البسيطة ، لكان أولى ، ولصح [ تأويله في ] قول الله ( والليل إذا يغشاها   ) فكان أجود وأقوى ، والله أعلم . ولهذا قال مجاهد   : ( والنهار إذا جلاها   ) إنه كقوله : ( والنهار إذا تجلى   ) [ الليل : 2 ] .  [ ص: 411 ] وأما ابن جرير  فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس ، لجريان ذكرها . وقالوا في قوله : ( والليل إذا يغشاها   ) يعني : إذا يغشى الشمس حين تغيب ، فتظلم الآفاق . 
وقال بقية بن الوليد  ، عن صفوان ،  حدثني يزيد بن ذي حمامة  قال : إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله : غشي عبادي خلقي العظيم ، فالليل يهابه ، والذي خلقه أحق أن يهاب  . رواه ابن أبي حاتم   . 
وقوله : ( والسماء وما بناها   ) يحتمل أن تكون " ما " هاهنا مصدرية ، بمعنى : والسماء وبنائها . وهو قول قتادة ،  ويحتمل أن تكون بمعنى " من " يعني : والسماء وبانيها . وهو قول مجاهد ،  وكلاهما متلازم ، والبناء هو الرفع ، كقوله : ( والسماء بنيناها بأيد   ) أي : بقوة ( وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون   ) [ الذاريات : 47 ، 48 ] . 
وهكذا قوله : ( والأرض وما طحاها   ) قال مجاهد   : ( طحاها   ) دحاها  . وقال العوفي ،  عن ابن عباس   : ( وما طحاها   ) أي : خلق فيها  . 
وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   : ( طحاها   ) قسمها  . 
وقال مجاهد ،  وقتادة  والضحاك ،   والسدي ،   والثوري ،   وأبو صالح  ، وابن زيد   : ( طحاها   ) بسطها  . 
وهذا أشهر الأقوال ، وعليه الأكثر من المفسرين ، وهو المعروف عند أهل اللغة ، قال الجوهري   : طحوته مثل دحوته ، أي : بسطته . 
وقوله : ( ونفس وما سواها   )  أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة ، كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله   ) [ الروم : 30 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ "  . 
أخرجاه من رواية  أبي هريرة  
وفي صحيح مسلم  من رواية عياض بن حمار المجاشعي  ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  " يقول الله - عز وجل - : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم "  . 
وقوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها . 
قال ابن عباس   : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) بين لها الخير والشر  . وكذا قال مجاهد ،  وقتادة ،  والضحاك ،   والثوري   . 
 [ ص: 412 ] 
وقال سعيد بن جبير   : ألهمها الخير والشر . وقال ابن زيد   : جعل فيها فجورها وتقواها . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن بشار  ، حدثنا صفوان بن عيسى   وأبو عاصم النبيل  قالا حدثنا عزرة بن ثابت  ، حدثني يحيى بن عقيل  ، عن  يحيى بن يعمر  ، عن  أبي الأسود الديلي  قال : قال لي عمران بن حصين   : أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي عليهم . قال : فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال : ففزعت منه فزعا شديدا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . قال : سددك الله ، إنما سألت لأخبر عقلك ، إن رجلا من مزينة   - أو جهينة   - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " بل شيء قد قضي عليهم " . قال : ففيم نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها   ) 
رواه أحمد  ومسلم ،  من حديث عزرة بن ثابت  به . 
وقوله : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها   ) يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة   - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويروى نحوه عن مجاهد ،  وعكرمة ،   وسعيد بن جبير   . وكقوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى   ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] . 
( وقد خاب من دساها   ) أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله - عز وجل - . 
وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه ، كما قال العوفي  وعلي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي وأبو زرعة  قالا حدثنا سهل بن عثمان  ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام -  عن جويبر ،  عن الضحاك ،  عن ابن عباس  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قول الله : ( قد أفلح من زكاها   ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلحت نفس زكاها الله "  . 
ورواه ابن أبي حاتم  من حديث أبي مالك  ، به . وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد  ، متروك الحديث ، والضحاك  لم يلق ابن عباس   . 
 [ ص: 413 ] 
وقال  الطبراني   : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح  ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن ابن عباس  قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها   ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها "  . 
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو زرعة  ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني  ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي  ، حدثنا معن بن محمد الغفاري  ، عن حنظلة بن علي الأسلمي  ، عن  أبي هريرة  قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  وكيع ،  عن نافع   - عن ابن عمر   - عن صالح بن سعيد  ، عن عائشة   : أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به . 
حديث آخر : قال  الإمام أحمد   : حدثنا عفان ،  حدثنا عبد الواحد بن زياد  ، حدثنا عاصم الأحول  ، عن عبد الله بن الحارث  ، عن  زيد بن أرقم  قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم ، والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمناهن ونحن نعلمكوهن  . 
رواه مسلم  من حديث أبي معاوية  ، عن عاصم الأحول  ، عن عبد الله بن الحارث   -  وأبي عثمان النهدي  ، عن  زيد بن أرقم  ، به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					