( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا    ( 84 ) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا   ( 85 ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا   ( 86 ) ) 
( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا   ( 87 ) ) 
يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا  صلى الله عليه وسلم أن يباشر القتال بنفسه ، ومن نكل عليه فلا عليه منه ; ولهذا قال : ( لا تكلف إلا نفسك   ) 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح  ، حدثنا حكام ،  حدثنا الجراح الكندي  ، عن أبي إسحاق  قال : سألت  البراء بن عازب  عن الرجل يلقى مائة من ، فيقاتل ، أيكون ممن يقول الله : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   ) [ البقرة : 195 ] قال : قد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين   ) 
ورواه  الإمام أحمد  ، عن سليمان بن داود  ، عن  أبي بكر بن عياش  ، عن أبي إسحاق  قال : قلت للبراء   : الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال : لا ; لأن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك   ) إنما ذلك في النفقة . 
وكذا رواه ابن مردويه  ، من طريق  أبي بكر بن عياش  ،  وعلي بن صالح  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  به . 
ثم قال ابن مردويه   : حدثنا سليمان بن أحمد  ، حدثنا أحمد بن النضر العسكري  ، حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي  ، حدثنا محمد بن حمير  ، حدثنا  سفيان الثوري  ، عن أبي إسحاق  ، عن البراء  قال : لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين [ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ]   ) الآية ، قال لأصحابه : " قد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا " حديث غريب . 
وقوله : ( وحرض المؤمنين   ) أي : على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عنده كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ،  وهو يسوي الصفوف :  " قوموا إلى جنة عرضها  " . 
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك  ، فمن ذلك ما رواه  البخاري  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " قالوا : يا رسول الله ، أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال : " إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة . وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة "  . 
وروي من حديث معاذ وأبي الدرداء  وعبادة  نحو ذلك . 
وعن  أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا سعيد  ، من رضي بالله ربا ، وبالإسلام  [ ص: 369 ] دينا ، وبمحمد  نبيا ، وجبت له الجنة " قال : فعجب لها أبو سعيد  فقال : أعدها علي يا رسول الله . ففعل . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله  " رواه مسلم   . 
وقوله : ( عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا   ) أي : بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء ، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ، ومقاومتهم ومصابرتهم . 
وقوله : ( والله أشد بأسا وأشد تنكيلا   ) أي : هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، كما قال [ تعالى ] ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ]   ) [ محمد : 4 ] . 
وقوله : ( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها   ) أي : من سعى في أمر ، فترتب عليه خير ، كان له نصيب من ذلك ( ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها   ) أي : يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء "  . 
وقال مجاهد بن جبر   : نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض . 
وقال  الحسن البصري   : قال الله تعالى : ( من يشفع   ) ولم : من يشفع . 
وقوله : ( وكان الله على كل شيء مقيتا   ) قال ابن عباس  ،  وعطاء ،  وعطية ،  وقتادة ،   ومطر الوراق   : ( مقيتا   ) أي : حفيظا . وقال مجاهد   : شهيدا . وفي رواية عنه : حسيبا . وقال سعيد بن جبير  ،  والسدي ،  وابن زيد   : قديرا . وقال عبد الله بن كثير   : المقيت : الواصب وقال الضحاك   : المقيت : الرزاق . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن مطرف  ، حدثنا عيسى بن يونس  ، عن إسماعيل ،  عن رجل ، عن عبد الله بن رواحة  ، وسأله رجل عن قول الله : ( وكان الله على كل شيء مقيتا   ) قال : يقيت كل إنسان على قدر عمله . 
وقوله : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها   ) أي : إذا سلم عليكم المسلم ، فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم [ به ] فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة . 
قال ابن جرير   : حدثني  موسى بن سهل الرملي  ، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي  ، حدثنا هشام بن لاحق  ، عن عاصم الأحول  ، عن  أبي عثمان النهدي  ، عن سلمان الفارسي  قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . فقال : " وعليك السلام ورحمة الله " . ثم أتى آخر  [ ص: 370 ] فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له : " وعليك " فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي . فقال : " إنك لم تدع لنا شيئا ، قال الله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها   ) فرددناها عليك  " . 
وهكذا رواه ابن أبي حاتم  معلقا فقال : ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي  ، حدثنا عبد الله بن السري - أبو محمد الأنطاكي   - قال أبو الحسن   : وكان رجلا صالحا - حدثنا هشام بن لاحق  ، فذكر بإسناده مثله . 
ورواه أبو بكر بن مردويه   : حدثنا  عبد الباقي بن قانع  ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل  ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان  ، فذكره بمثله ، ولم أره في المسند والله أعلم . 
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذ لو شرع أكثر من ذلك ، لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن كثير   - أخو سليمان بن كثير   - حدثنا جعفر بن سليمان  ، عن عوف ،  عن  أبي رجاء العطاردي  ، عن عمران بن حصين   ; أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم فرد عليه ثم جلس ، فقال : " عشر " . ثم جاء آخر فقال : " السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " عشرون " . ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال : " ثلاثون  " . 
وكذا رواه أبو داود  عن محمد بن كثير  ، وأخرجه الترمذي   والنسائي   والبزار  من حديثه ، ثم قال الترمذي   : حسن غريب من هذا الوجه ، وفي الباب عن أبي سعيد  وعلي   وسهل بن حنيف   [ رضي الله عنهم ] . 
وقال البزار   : قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، هذا أحسنها إسنادا وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا  علي بن حرب الموصلي  ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي  عن الحسن بن صالح  ، عن سماك ،  عن عكرمة  عن ابن عباس  قال : من يسلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيا ; ذلك بأن الله يقول : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها   ) 
وقال قتادة   : ( فحيوا بأحسن منها   ) يعني : للمسلمين ( أو ردوها   ) يعني : لأهل الذمة . 
وهذا التنزيل فيه نظر ، بل كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ  [ ص: 371 ] المسلم غاية ما شرع في السلام ; رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة فلا يبدءون بالسلام  ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم : السام عليك فقل : وعليك "  . 
وفي صحيح مسلم ، عن  أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه "  . 
وقال  سفيان الثوري  ، عن رجل ، عن  الحسن البصري  قال : السلام تطوع ، والرد فريضة . 
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب على من سلم عليه  ، فيأثم إن لم يفعل ; لأنه خالف أمر الله في قوله : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها   ) وقد جاء في الحديث الذي رواه . 
وقوله : ( الله لا إله إلا هو   ) إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات ، وتضمن قسما ، لقوله : ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه   ) وهذه اللام موطئة للقسم ، فقوله : ( الله لا إله إلا هو   ) خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد فيجازي كل عامل بعمله . 
وقوله تعالى : ( ومن أصدق من الله حديثا   ) أي : لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ، ووعده ووعيده ، فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه . 
				
						
						
