( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا  إلا إبليس لم يكن من الساجدين   ( 11 ) ) . 
ينبه تعالى بني آدم  في هذا المقام على شرف أبيهم آدم ،  ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس ، وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم ،  ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه ، فقال تعالى : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا   ) وهذا كقوله تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة   ) الآية [ الحجر : 28 - 30 ] ، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم ،  عليه السلام ، بيده من طين لازب ، وصوره بشرا سويا ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الرب تعالى وجلاله ، فسمعوا كلهم وأطاعوا ، إلا إبليس لم يكن من الساجدين . وقد تقدم الكلام على إبليس في أول تفسير " سورة البقرة " 
وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير   : أن المراد بذلك كله آدم ،  عليه السلام . 
وقال  سفيان الثوري  ، عن الأعمش ،  عن  المنهال بن عمرو  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم   ) قال : خلقوا في أصلاب الرجال ، وصوروا في أرحام النساء  . 
رواه  الحاكم ،  وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . 
ونقله ابن جرير  عن بعض السلف أيضا : أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم : الذرية . 
وقال الربيع بن أنس  ،  والسدي ،  وقتادة ،  والضحاك  في هذه الآية : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم   ) أي : خلقنا آدم ثم صورنا الذرية . 
وهذا فيه نظر; لأنه قال بعده : ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم   ) فدل على أن المراد بذلك آدم ،  وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر ، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل  الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى   ) [ البقرة : 57 ] والمراد : آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى  عليه السلام ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل صار كأنه واقع على الأبناء . وهذا بخلاف قوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين   ) [ المؤمنون : 12 - 13 ] فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة وذريته مخلوقون من  [ ص: 392 ] نطفة ، وصح هذا لأن المراد من ( خلقنا الإنسان ) الجنس ، لا معينا ، والله أعلم . 
				
						
						
