( ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين   ( 64 ) يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون   ( 65 ) الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين   ( 66 ) ) 
يحرض تعالى نبيه - صلوات الله وسلامه عليه - والمؤمنين على القتال ومناجزة الأعداء ومبارزة الأقران ، ويخبرهم أنه حسبهم ، أي : كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم ، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم ، ولو قل عدد المؤمنين . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم  ، حدثنا  عبيد الله بن موسى  ، أنبأنا سفيان  ، عن شوذب  عن الشعبي  في قوله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين   ) قال : حسبك الله ، وحسب من شهد معك . 
قال : وروي عن  عطاء الخراساني  ، وعبد الرحمن بن زيد [ بن أسلم ]  مثله . 
ولهذا قال : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال   ) أي : حثهم وذمر عليه ؛ ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو ، كما قال لأصحابه يوم بدر  ، حين أقبل المشركون في عددهم وعددهم : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض . فقال عمير بن الحمام   : عرضها السماوات والأرض ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم فقال : بخ بخ ، فقال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : رجاء أن أكون من أهلها ! قال : فإنك من أهلها ، فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه ، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ، ثم ألقى بقيتهن من يده ، وقال : لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة ! ثم تقدم فقاتل حتى قتل ، رضي الله عنه  . 
 [ ص: 87 ] وقد روي عن  سعيد بن المسيب  ،  وسعيد بن جبير   : أن هذه الآية نزلت حين أسلم  عمر بن الخطاب  ، وكمل به الأربعون . 
وفي هذا نظر ؛ لأن هذه الآية مدنية ، وإسلام عمر  كان بمكة  بعد الهجرة إلى أرض الحبشة  وقبل الهجرة إلى المدينة  ، والله أعلم . 
ثم قال تعالى مبشرا للمؤمنين وآمرا : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا   ) كل واحد بعشرة ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة . 
قال  عبد الله بن المبارك   : حدثنا جرير بن حازم  ، حدثني الزبير بن الخريت  عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين   ) شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء التخفيف ، فقال : ( الآن خفف الله عنكم   ) إلى قوله : ( يغلبوا مائتين   ) قال : خفف الله عنهم من العدة ، ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم  . 
وروى  البخاري  من حديث ابن المبارك  ، نحوه . 
وقال  سعيد بن منصور   : حدثنا سفيان  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن ابن عباس  في هذه الآية قال : كتب عليهم ألا يفر عشرون من مائتين ، ثم خفف الله عنهم ، فقال : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا   ) فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين . 
وروى  البخاري  ، عن علي بن عبد الله  ، عن سفيان  ، به ونحوه . 
وقال محمد بن إسحاق   : حدثني ابن أبي نجيح  ، عن عطاء  ، عن ابن عباس  ، قال : لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين ، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ، ومائة ألفا ، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا   ) الآية ، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدو لهم لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم ، وإذا كانوا دون ذلك ، لم يجب عليهم قتالهم ، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم . 
وروى علي بن أبي طلحة  والعوفي  ، عن ابن عباس  ، نحو ذلك . قال ابن أبي حاتم   : وروي عن مجاهد  ،  وعطاء  ، وعكرمة  ، والحسن  ، وزيد بن أسلم  ،  وعطاء الخراساني  ، والضحاك  نحو ذلك . 
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه  ، من حديث المسيب بن شريك  ، عن ابن عون  ، عن نافع  ، عن ابن عمر   - رضي الله عنهما - : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين   ) قال : نزلت فينا أصحاب محمد   - صلى الله عليه وسلم -  . 
 [ ص: 88 ] وروى  الحاكم  في مستدركه ، من حديث  أبي عمرو بن العلاء  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا   ) رفع ، ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . 
				
						
						
