( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون    ( 15 ) )  [ ص: 374 ] 
يقول تعالى : فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك ، ( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب   ) هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب ، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكراما له ، وبسطا وشرحا لصدره ، وإدخالا للسرور عليه ، فيقال : إن يعقوب  عليه السلام ، لما بعثه معهم ضمه إليه ، وقبله ودعا له . 
وقال  السدي  وغيره : إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له ، إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه ، ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه ، والفعل من ضرب ونحوه ، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ، فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه ، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه ، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة ، فسقط في الماء فغمره ، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه ، يقال لها : " الراغوفة " فقام فوقها . 
قال الله تعالى : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   ) يقول تعالى ذاكرا لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر : إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق ، تطييبا لقلبه ، وتثبيتا له : إنك لا تحزن مما أنت فيه ، فإن لك من ذلك فرجا ومخرجا حسنا ، وسينصرك الله عليهم ، ويعليك ويرفع درجتك ، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع . 
وقوله : ( وهم لا يشعرون   ) - قال [ مجاهد  و ] قتادة   : ( وهم لا يشعرون   ) بإيحاء الله إليه . 
وقال ابن عباس   : ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك ، وهم لا يعرفونك ، ولا يستشعرون بك ، كما قال ابن جرير   : 
حدثني الحارث ،  حدثنا عبد العزيز  ، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي ،  عن أبيه ، سمعت ابن عباس  يقول : لما دخل إخوة يوسف  على يوسف  فعرفهم وهم له منكرون ، قال : جيء بالصواع ، فوضعه على يده ، ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبرني هذا الجام : أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له " يوسف   " ، يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب - قال : ثم نقره فطن - فأتيتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كذب - قال : فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم . قال ابن عباس  ، رضي الله عنهما : لا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم : ( لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   )  . 
				
						
						
