القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا    ( 22 ) ) 
قال أبو جعفر   : قد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يخلفون على حلائل آبائهم ، فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فحرم الله تبارك وتعالى عليهم المقام عليهن ، وعفا لهم عما كان سلف منهم في جاهليتهم وشركهم من فعل ذلك ، لم يؤاخذهم به ، إن هم اتقوا الله في إسلامهم وأطاعوه فيه . 
ذكر الأخبار التي رويت في ذلك : 
8938 - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي  قال : حدثنا قراد  قال : حدثنا  [ ص: 133 ] ابن عيينة  وعمرو ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين   . قال : فأنزل الله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف   ( وأن تجمعوا بين الأختين   ) 
8939 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الأعلى  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  الآية ، قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله ، إلا أن الرجل كان يخلف على حليلة أبيه ، ويجمعون بين الأختين ، فمن ثم قال الله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف   . 
8940 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن عكرمة  في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف  ، قال : نزلت في أبي قيس بن الأسلت ،  خلف على أم عبيد بنت صخر ،  كانت تحت الأسلت  أبيه ، وفي الأسود بن خلف ،  وكان خلف على بنت أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ،  وكانت عند أبيه خلف  وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ،  وكانت عند أمية بن خلف ،  فخلف عليها صفوان بن أمية  وفي منظور بن زبان ،  وكان خلف على مليكة ابنة خارجة ،  وكانت عند أبيه زبان بن سيار   .  [ ص: 134 ]  8941 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : قلت  لعطاء بن أبي رباح   : الرجل ينكح المرأة ، ثم لا يراها  [ ص: 135 ] حتى يطلقها ، أتحل لابنه ؟ قال : هي مرسلة ، قال الله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء   . قال : قلت لعطاء   : ما قوله : إلا ما قد سلف  ؟ قال : كان الأبناء ينكحون نساء آبائهم في الجاهلية . 
8942 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية  [ ص: 136 ] بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس  قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  الآية ، يقول : كل امرأة تزوجها أبوك وابنك ، دخل أو لم يدخل ، فهي عليك حرام . 
واختلف في معنى قوله : " إلا ما قد سلف " . 
فقال بعضهم : معناه : لكن ما قد سلف فدعوه . وقالوا : هو من الاستثناء المنقطع . 
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا نكاح آبائكم بمعنى : ولا تنكحوا كنكاحهم ، كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا يجوز مثلها في الإسلام إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا  ، يعني : أن نكاح آبائكم الذي كانوا ينكحونه في جاهليتهم ، كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا - إلا ما قد سلف منكم في جاهليتكم من نكاح ، لا يجوز ابتداء مثله في الإسلام ، فإنه معفو لكم عنه . 
وقالوا : قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  ، كقول القائل للرجل : " لا تفعل ما فعلت " و " لا تأكل ما أكلت " بمعنى : ولا تأكل كما أكلت ، ولا تفعل كما فعلت . 
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز كان عقده بينهم ، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم ، فإن نكاحهن لكم حلال ، لأنهن لم يكن لهم حلائل ، وإنما كان ما كان من آبائكم ومنهن من ذلك - فاحشة ومقتا وساء سبيلا . 
ذكر من قال ذلك :  [ ص: 137 ]  8943 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف  الآية ، قال : الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا  فزاد هاهنا " المقت " . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، على ما قاله أهل التأويل في تأويله ، أن يكون معناه : ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم ، إلا ما قد سلف منكم فمضى في الجاهلية ، فإنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا فيكون قوله : "من النساء " من صلة قوله : ولا تنكحوا  ، ويكون قوله : ما نكح آباؤكم  بمعنى المصدر ، ويكون قوله : إلا ما قد سلف  بمعنى الاستثناء المنقطع ، لأنه يحسن في موضعه : " لكن ما قد سلف فمضى " إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا   . 
فإن قال قائل : وكيف يكون هذا القول موافقا قول من ذكرت قوله من أهل التأويل ، وقد علمت أن الذين ذكرت قولهم في ذلك ، إنما قالوا : أنزلت هذه الآية في النهي عن نكاح حلائل الآباء ،  وأنت تذكر أنهم إنما نهوا أن ينكحوا نكاحهم ؟ 
قيل له : إنما قلنا إن ذلك هو التأويل الموافق لظاهر التنزيل ، إذ كانت " ما " في كلام العرب لغير بني آدم ، وأنه لو كان المقصود بذلك - النهي عن حلائل الآباء ، دون سائر ما كان من مناكح آبائهم حراما : ابتداء مثله في الإسلام بنهي الله  [ ص: 138 ]  - جل ثناؤه - عنه ؛ لقيل : " ولا تنكحوا من نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف   " - لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، إذ كان " من " لبني آدم ، و " ما " لغيرهم ولم يقل : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء   " . وأما قوله تعالى ذكره : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  ، فإنه يدخل في " ما " ما كان من مناكح آبائهم التي كانوا يتناكحونها في جاهليتهم . فحرم عليهم في الإسلام بهذه الآية - نكاح حلائل الآباء وكل نكاح سواه نهى الله تعالى ذكره عن ابتداء مثله في الإسلام ، مما كان أهل الجاهلية يتناكحونه في شركهم . 
ومعنى قوله : إلا ما قد سلف  ، إلا ما قد مضى إنه كان فاحشة  ، يقول : إن نكاحكم الذي سلف منكم كنكاح آبائكم المحرم عليكم ابتداء مثله في الإسلام بعد تحريمي ذلك عليكم - " فاحشة " يقول : معصية " ومقتا وساء سبيلا  ، أي : بئس طريقا ومنهجا ما كنتم تفعلون في  [ ص: 139 ] جاهليتكم من المناكح التي كنتم تناكحونها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					