القول في تأويل قوله ( أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات   ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك : ومن لم يستطع منكم ، أيها الناس ، طولا يعني من الأحرار " أن ينكح المحصنات " وهن الحرائر " المؤمنات " اللواتي قد  [ ص: 186 ] صدقن بتوحيد الله وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحق . 
وبنحو ما قلنا في " المحصنات " قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
9062 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس  قوله : أن ينكح المحصنات  ، يقول : أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين . 
9063 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم  قال : " المحصنات " الحرائر ، فلينكح الأمة المؤمنة . 
9064 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  مثله . 
9065 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : أما " فتياتكم " فإماؤكم . 
9066 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : أخبرنا هشيم  قال : أخبرنا أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير   : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات  ، قال : أما من لم يجد ما ينكح الحرة ، تزوج الأمة . 
9067 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات  ، قال : لا يجد ما ينكح به حرة ، فينكح هذه الأمة ، فيتعفف بها ، ويكفيه أهلها  [ ص: 187 ] مئونتها . ولم يحل الله ذلك لأحد ، إلا أن لا يجد ما ينكح به حرة فينفق عليها ، ولم يحل له حتى يخشى العنت . 
9068 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا  حبان بن موسى  قال : أخبرنا ابن المبارك  قال : أخبرنا سفيان ،  عن  هشام الدستوائي ،  عن عامر الأحول ،  عن الحسن   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تنكح الأمة على الحرة ، وتنكح الحرة على الأمة ، ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة  . 
قال أبو جعفر   : واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته جماعة من قرأة الكوفيين والمكيين : " أن ينكح المحصنات " بكسر " الصاد " مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، سوى قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم   [ سورة النساء : 24 ] ، فإنهم فتحوا " الصاد " منها ، ووجهوا تأويله إلى أنهن محصنات بأزواجهن ، وأن أزواجهن هم أحصنوهن . وأما سائر ما في القرآن ، فإنهم تأولوا في كسرهم " الصاد " منه ، إلى أن النساء هن أحصن أنفسهن بالعفة . 
وقرأت عامة قرأة المدينة  والعراق  ذلك كله بالفتح ، بمعنى أن بعضهن أحصنهن أزواجهن ، وبعضهن أحصنهن حريتهن أو إسلامهن . 
وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر ، بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهن . وذكرت هذه القراءة - أعني بكسر الجميع - عن علقمة ، على الاختلاف في الرواية عنه . 
 [ ص: 188 ] قال أبو جعفر   : والصواب عندنا من القول في ذلك - أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، مع اتفاق ذلك في المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، إلا في الحرف الأول [ من سورة النساء : 24 ] وهو قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم  ، فإني لا أستجيز الكسر في صاده ، لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها . ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها ، كان صوابا القراءة بها كذلك ، لما ذكرنا من تصرف " الإحصان " في المعاني التي بيناها ، فيكون معنى ذلك لو كسر : والعفائف من النساء حرام عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم ، بمعنى أنهن أحصن أنفسهن بالعفة . 
وأما " الفتيات " فإنهن جمع " فتاة " وهن الشواب من النساء . ثم يقال لكل مملوكة ذات سن أو شابة : " فتاة " والعبد : " فتى " . 
ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات ، وهل عنى الله بقوله : من فتياتكم المؤمنات   - تحريم ما عدا المؤمنات منهن ، أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين ؟ 
فقال بعضهم : ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين   . 
ذكر من قال ذلك : 
9069 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن قال : أخبرنا سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : من فتياتكم المؤمنات  ، قال : لا ينبغي أن يتزوج مملوكة نصرانية . 
9070 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : من فتياتكم المؤمنات  ، قال : لا ينبغي للحر المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب . 
 [ ص: 189 ]  9071 - حدثنا علي بن سهل  قال : حدثنا  الوليد بن مسلم  قال : سمعت أبا عمرو ،  وسعيد بن عبد العزيز ،   ومالك بن أنس ،  وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، يقولون : لا يحل لحر مسلم ولا لعبد مسلم - الأمة النصرانية ؛ لأن الله يقول : من فتياتكم المؤمنات  ، يعني : بالنكاح . 
وقال آخرون : ذلك من الله على الإرشاد والندب ، لا على التحريم . وممن قال ذلك : 
جماعة من أهل العراق   . 
ذكر من قال ذلك : 
9072 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مغيرة  قال : قال أبو ميسرة   : أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر . 
ومنهم أبو حنيفة  وأصحابه ، واعتلوا لقولهم بقول الله : ( أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن   ) [ سورة المائدة : 5 ] .  [ ص: 190 ] قالوا : فقد أحل الله محصنات أهل الكتاب عاما ، فليس لأحد أن يخص منهن أمة ولا حرة . قالوا : ومعنى قوله : فتياتكم المؤمنات   - غير المشركات من عبدة الأوثان . 
قال أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال : هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب  ، فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين . وذلك أن الله - جل ثناؤه - أحل نكاح الإماء  بشروط ، فما لم تجتمع الشروط التي سماهن فيهن ، فغير جائز لمسلم نكاحهن . 
فإن قال قائل : فإن الآية التي في " المائدة " تدل على إباحتهن بالنكاح ؟ 
قيل : إن التي في " المائدة " قد أبان أن حكمها في خاص من محصناتهم ، وأنها معني بها حرائرهم دون إمائهم ، قوله : من فتياتكم المؤمنات   . وليست إحدى الآيتين دافعا حكمها حكم الأخرى ، بل إحداهما مبينة حكم الأخرى ، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى ، لو لم يكن جائزا اجتماع حكميهما على صحة . فغير جائز أن يحكم لإحداهما بأنها دافعة حكم الأخرى ، إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس . ولا خبر بذلك ولا قياس . والآية محتملة ما قلنا : والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم . 
				
						
						
