القول في تأويل قوله عز وجل ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما    ( 27 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك تعالى ذكره : والله يريد أن يراجع بكم طاعته والإنابة إليه ، ليعفو لكم عما سلف من آثامكم ، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم وغير ذلك مما كنتم تستحلونه وتأتونه ، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، يقول : ويريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها أن تميلوا  عن أمر الله تبارك وتعالى ، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرم عليكم وركوبكم معاصيه ميلا عظيما  ، جورا وعدولا عنه شديدا . 
 [ ص: 213 ] واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنهم " يتبعون الشهوات "   . 
فقال بعضهم : هم الزناة . 
ذكر من قال ذلك : 
9129 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما  ، قال : يريدون أن تزنوا . 
9130 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما  أن تكونوا مثلهم ، تزنون كما يزنون . 
9131 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد   : ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، قال : الزنا أن تميلوا ميلا عظيما  ، قال : يزني أهل الإسلام كما يزنون . قال : هي كهيئة : ( ودوا لو تدهن فيدهنون   )  [ سورة القلم : 9 ] . 
9132 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ،  عن ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، قال : الزنا أن تميلوا  ، قال : أن تزنوا  . 
وقال آخرون ، بل هم اليهود  والنصارى   . 
ذكر من قال ذلك : 
9133 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، قال : هم اليهود  والنصارى   " أن تميلوا ميلا عظيما " . 
 [ ص: 214 ] وقال آخرون : بل هم اليهود  خاصة ، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب . وذلك أنهم يحلون نكاحهن ، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين : ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب - أن تميلوا عن الحق فتستحلوهن كما استحلوا . 
وقال آخرون . معنى ذلك : كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له . 
ذكر من قال ذلك : 
9134 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : سمعت ابن زيد  يقول في قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات  الآية ، قال : يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم - أن تميلوا في دينكم ميلا عظيما ، تتبعون أمر دينهم ، وتتركون أمر الله وأمر دينكم  . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل ، وطلاب الزنا ونكاح الأخوات من الآباء وغير ذلك مما حرمه الله أن تميلوا  عن الحق ، وعما أذن الله لكم فيه ، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته ، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرم الله ، وترك طاعته ميلا عظيما   . 
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ، لأن الله عز وجل عم بقوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات  ، فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة ، وعمهم بوصفهم بذلك ، من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى المعاني بالآية ما دل عليه ظاهرها ، دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل  [ ص: 215 ] أو قياس . وإذ كان ذلك كذلك كان داخلا في " الذين يتبعون الشهوات " اليهود ،  والنصارى ،  والزناة ، وكل متبع باطلا . لأن كل متبع ما نهاه الله عنه ، فمتبع شهوة نفسه . فإذ كان ذلك بتأويل الآية أولى ، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك . 
				
						
						
