[ ص: 498 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون    ( 33 ) ) 
قال أبو جعفر :  اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فروي عن ابن عباس  في ذلك ما : 
678 - حدثنا به أبو كريب ،  قال : حدثنا عثمان بن سعيد ،  قال : حدثنا بشر بن عمارة ،  عن أبي روق ،  عن الضحاك ،  عن ابن عباس   : " وأعلم ما تبدون   " يقول : ما تظهرون ، " وما كنتم تكتمون   " يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية . يعني : ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار . 
679 - وحدثني موسى بن هارون ،  قال : حدثنا عمرو بن حماد ،  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي  في خبر ذكره ، عن أبي مالك ،  وعن أبي صالح ،  عن ابن عباس ،  وعن مرة ،  عن ابن مسعود ،  وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " قال : قولهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها   " فهذا الذي أبدوا ، " وما كنتم تكتمون   " يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر . 
680 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ،  قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ،  قال : حدثنا عمرو بن ثابت ،  عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ،  قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " قال : ما أسر إبليس في نفسه .  [ ص: 499 ] 
681 - وحدثنا أحمد بن إسحاق ،  قال : حدثنا أبو أحمد ،  قال : حدثنا سفيان  في قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " قال : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر ألا يسجد لآدم   . 
682 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ،  قال : أخبرنا الحجاج الأنماطي ،  قال : حدثنا مهدي بن ميمون  ، قال  : سمعت الحسن بن دينار ،  قال للحسن  ، ونحن جلوس عنده في منزله : يا أبا سعيد ، أرأيت قول الله للملائكة : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " ما الذي كتمت الملائكة ؟ فقال الحسن   : إن الله لما خلق آدم  رأت الملائكة خلقا عجيبا ، فكأنهم دخلهم من ذلك شيء ، فأقبل بعضهم إلى بعض ، وأسروا ذلك بينهم ، فقالوا : وما يهمكم من هذا المخلوق! إن الله لن يخلق خلقا إلا كنا أكرم عليه منه . 
683 - وحدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  في قوله " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " قال : أسروا بينهم فقالوا : يخلق الله ما يشاء أن يخلق ، فلن يخلق خلقا إلا ونحن أكرم عليه منه . 
684 - وحدثني المثنى ،  قال : حدثنا إسحاق ،  قال : حدثنا عبد الله بن أبي  [ ص: 500 ] جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع بن أنس   : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " فكان الذي أبدوا حين قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها   " وكان الذي كتموا بينهم قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم . فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم  في العلم والكرم . 
قال أبو جعفر :  وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس ،  وهو أن معنى قوله : " وأعلم ما تبدون   " وأعلم - مع علمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرون بألسنتكم " وما كنتم تكتمون   " وما كنتم تخفونه في أنفسكم ، فلا يخفى علي شيء ، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم . 
والذي أظهروه بألسنتهم ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه ، وهو قولهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك   " والذي كانوا يكتمونه ، ما كان منطويا عليه إبليس من الخلاف على الله في أمره ، والتكبر عن طاعته . لأنه لا خلاف بين جميع أهل التأويل أن تأويل ذلك غير خارج من أحد الوجهين اللذين وصفت ، وهو ما قلنا ، والآخر ما ذكرنا من قول الحسن  وقتادة ،  ومن قال إن معنى ذلك كتمان الملائكة بينهم لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم عليه منه . فإذ كان لا قول في تأويل ذلك إلا أحد القولين اللذين وصفت ، ثم كان أحدهما غير موجودة على صحته الدلالة من الوجه الذي يجب التسليم له ، صح الوجه الآخر . 
فالذي حكي عن الحسن  وقتادة  ومن قال بقولهما في تأويل ذلك ، غير موجودة الدلالة على صحته من الكتاب ، ولا من خبر يجب به حجة . والذي قاله ابن عباس  يدل على صحته خبر الله جل ثناؤه عن إبليس وعصيانه إياه ، إذ دعاه إلى السجود لآدم  فأبى واستكبر  ، وإظهاره لسائر الملائكة من معصيته وكبره ، ما كان له كاتما قبل ذلك . 
فإن ظن ظان أن الخبر عن كتمان الملائكة ما كانوا يكتمونه ، لما كان  [ ص: 501 ] خارجا مخرج الخبر عن الجميع ، كان غير جائز أن يكون ما روي في تأويل ذلك عن ابن عباس   - ومن قال بقوله : من أن ذلك خبر عن كتمان إبليس الكبر والمعصية - صحيحا ، فقد ظن غير الصواب . وذلك أن من شأن العرب ، إذا أخبرت خبرا عن بعض جماعة بغير تسمية شخص بعينه ، أن تخرج الخبر عنه مخرج الخبر عن جميعهم ، وذلك كقولهم : " قتل الجيش وهزموا " وإنما قتل الواحد أو البعض منهم ، وهزم الواحد أو البعض . فتخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما قال جل ثناؤه : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون   ) [ سورة الحجرات : 4 ] ، ذكر أن الذي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية فيه - كان رجلا من جماعة بني تميم ،  كانوا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخرج الخبر عنه مخرج الخبر عن الجماعة . فكذلك قوله : " وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون   " أخرج الخبر مخرج الخبر عن الجميع ، والمراد به الواحد منهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					