القول في تأويل قوله ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم   ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون    " ، لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله  من أهل الإيمان بالله وبرسوله ، المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسير في الأرض ، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله ، وقتالهم في طاعة الله ، إلا أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم ، وغير ذلك من العلل التي لا سبيل لأهلها - للضرر الذي بهم - إلى قتالهم وجهادهم في سبيل الله والمجاهدون في سبيل الله  ومنهاج دينه ، لتكون كلمة الله هي العليا ، المستفرغون طاقتهم في قتال أعداء الله وأعداء دينهم بأموالهم ، إنفاقا لها فيما أوهن كيد أعداء أهل الإيمان بالله - وبأنفسهم ، مباشرة بها قتالهم ، بما تكون به كلمة الله العالية ، وكلمة الذين كفروا السافلة . 
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " غير أولي الضرر   " . 
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة   ومكة  والشأم   ( غير أولي الضرر ) ، نصبا ، بمعنى : إلا أولي الضرر . 
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة   والبصرة   : ( غير أولي الضرر ) برفع "غير" ،  [ ص: 86 ] على مذهب النعت "للقاعدين" . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القراءة في ذلك عندنا : ( غير أولي الضرر ) بنصب "غير" ، لأن الأخبار متظاهرة بأن قوله : غير أولي الضرر  نزل بعد قوله : لا يستوي القاعدون من المؤمنين  ، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم  استثناء من قوله : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون   . 
ذكر بعض الأخبار الواردة بذلك : 
10233 - حدثنا  نصر بن علي الجهضمي  قال : حدثنا المعتمر بن سليمان  عن أبيه ، عن أبي إسحاق ،  عن البراء   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ائتوني بالكتف واللوح ، فكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون وعمرو بن أم مكتوم  خلف ظهره ، فقال : هل لي من رخصة يا رسول الله؟ فنزلت : غير أولي الضرر  
10234 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ،  عن أبي  [ ص: 87 ] إسحاق ،  عن البراء  قال : لما نزلت : لا يستوي القاعدون من المؤمنين  جاء  ابن أم مكتوم  وكان أعمى ، فقال : يا رسول الله ، كيف وأنا أعمى؟ فما برح حتى نزلت : " غير أولي الضرر   "  . 
10235 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ،  عن أبي إسحاق ،  عن  البراء بن عازب  في قوله : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر   " ، قال : لما نزلت ، جاء  عمرو بن أم مكتوم  إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ضرير البصر ، فقال : يا رسول الله ، ما تأمرني ، فإني ضرير البصر؟ فأنزل الله هذه الآية ، فقال : ائتوني بالكتف والدواة ، أو : اللوح والدواة  . 
10236 - حدثني إسماعيل بن إسرائيل الدلال الرملي  قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة  قال : حدثنا مسعر ،  عن أبي إسحاق ،  عن البراء   : أنه لما نزلت : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين   " ، كلمه  ابن أم مكتوم ،  فأنزلت : " غير أولي الضرر   " .  [ ص: 88 ] 
10237 - حدثنا  محمد بن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة ،  عن أبي إسحاق ،  أنه سمع البراء  يقول في هذه الآية : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا  فجاء بكتف فكتبها . قال : فشكا إليه  ابن أم مكتوم  ضرارته ، فنزلت : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر   " . 
قال شعبة ،  وأخبرني سعد بن إبراهيم ،  عن أبيه ، عن رجل ، عن زيد  في هذه الآية : لا يستوي القاعدون  مثل حديث البراء   .  [ ص: 89 ] 
10238 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ،  عن  أبي سنان الشيباني ،  عن أبي إسحاق ،  عن  زيد بن أرقم  قال : لما نزلت : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله جاء  ابن أم مكتوم  فقال : يا رسول الله ، ما لي رخصة؟ قال : لا! قال  ابن أم مكتوم   : اللهم إني ضرير فرخص! فأنزل الله : غير أولي الضرر  وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبها يعني الكاتب .  [ ص: 90 ] 
10239 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع  ويعقوب بن إبراهيم  قالا : حدثنا بشر بن المفضل ،  عن عبد الرحمن بن إسحاق ،  عن الزهري ،  عن سهل بن سعد  قال : رأيت  مروان بن الحكم  جالسا ، فجئت حتى جلست إليه ، فحدثنا عن  زيد بن ثابت   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله قال : فجاء  ابن أم مكتوم  وهو يمليها علي ، فقال : يا رسول الله ، لو أستطيع الجهاد لجاهدت ! قال : فأنزل عليه وفخذه على فخذي ، فثقلت ، فظننت أن ترض فخذي ، ثم سري عنه ، فقال : غير أولي الضرر   .  [ ص: 91 ] 
10240 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن الزهري ،  عن  قبيصة بن ذؤيب ،  عن  زيد بن ثابت  قال : كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اكتب : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاء  عبد الله بن أم مكتوم  فقال : يا رسول الله ، إني أحب الجهاد في سبيل الله ، ولكن بي من الزمانة ما قد ترى ، قد ذهب بصري! قال زيد   : فثقلت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي حتى خشيت أن يرضها ، ثم قال : اكتب : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله   " . 
10241 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا  ابن جريج  قال : أخبرني عبد الكريم   : أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث  أخبره : أن ابن عباس  أخبره قال : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين   " ، عن بدر ، والخارجون إلى بدر   .  [ ص: 92 ] 
10242 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  قال : أخبرني عبد الكريم   : أنه سمع مقسما  يحدث عن ابن عباس ،  أنه سمعه يقول : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين   " عن بدر ،  والخارجون إلى بدر ،  لما نزل غزو بدر   . قال  عبد الله ابن أم مكتوم  وأبو أحمد بن جحش بن قيس الأسدي   : يا رسول الله ، إنا أعميان ، فهل لنا رخصة؟ فنزلت : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة   " . 
10243 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم " ، فسمع بذلك  عبد الله بن أم مكتوم  الأعمى ، فأتى رسول  [ ص: 93 ] الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد أنزل الله في الجهاد ما قد علمت ، وأنا رجل ضرير البصر لا أستطيع الجهاد ، فهل لي من رخصة عند الله إن قعدت؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أمرت في شأنك بشيء ، وما أدري هل يكون لك ولأصحابك من رخصة! فقال  ابن أم مكتوم   : اللهم إني أنشدك بصري! فأنزل الله بعد ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله   " إلى قوله : على القاعدين درجة   . 
10244 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام ،  عن عمرو ،  عن عطاء ،  عن سعيد  قال : نزلت : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ، فقال رجل أعمى : يا نبي الله ، فأنا أحب الجهاد ولا أستطيع أن أجاهد! فنزلت : غير أولي الضرر   . 
10245 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا حصين ،  عن  عبد الله بن شداد  قال : لما نزلت هذه الآية في الجهاد : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين   " ، قال  عبد الله ابن أم مكتوم   : يا رسول الله ، إني ضرير كما ترى! فنزلت : "غير أولي الضرر" . 
10246 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر   " ، عذر الله أهل العذر من الناس فقال : غير أولي الضرر  كان منهم  ابن أم مكتوم  والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم   .  [ ص: 94 ] 
10247 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله   " إلى قوله : وكلا وعد الله الحسنى  لما ذكر فضل الجهاد ، قال  ابن أم مكتوم   : يا رسول الله ، إني أعمى ولا أطيق الجهاد! فأنزل الله فيه : غير أولي الضرر   . 
10248 - حدثني المثنى  قال : حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي  قال : حدثنا زهير بن معاوية  قال : حدثنا أبو إسحاق ،  عن البراء  قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ادع لي زيدا ،  وقل له يأتي أو : يجيء بالكتف والدواة ، أو : اللوح والدواة - الشك من زهير -  اكتب : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " ، فقال  ابن أم مكتوم   : يا رسول الله ، إن بعيني ضررا! فنزلت قبل أن يبرح : " غير أولي الضرر   " . 
10249 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عبد الله بن رجاء البصري  قال : حدثنا إسرائيل ،  عن أبي إسحاق ،  عن البراء  بنحوه إلا أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع لي زيدا ،  وليجئني معه بكتف ودواة أو : لوح ودواة  .  [ ص: 95 ] 
10250 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا  عبيد الله بن موسى  عن إسرائيل ،  عن زياد بن فياض ،  عن أبي عبد الرحمن  قال : لما نزلت : "لا يستوي القاعدون" ، قال عمرو ابن أم مكتوم   : يا رب ، ابتليتني فكيف أصنع؟ قال : فنزلت : "غير أولي الضرر" . 
وكان ابن عباس  يقول في معنى : "غير أولي الضرر" نحوا مما قلنا . 
10251 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : " غير أولي الضرر   " ، قال : أهل الضرر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					