القول في تأويل قوله ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   )  
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " . 
فقال بعضهم : عني بقوله : " ليس بأمانيكم   " ، أهل الإسلام . 
ذكر من قال ذلك : 
10490 - حدثنا  محمد بن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة ،  عن منصور ،  عن أبي الضحى ،  عن مسروق  قال : تفاخر النصارى  وأهل الإسلام ، فقال هؤلاء : نحن أفضل منكم! وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم! قال : فأنزل الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " . 
10491 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن أبي الضحى ،  عن مسروق  قال : لما نزلت : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، قال أهل الكتاب : نحن وأنتم سواء! فنزلت هذه الآية : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن   " . 
10492 - حدثني أبو السائب   وابن وكيع  قالا : حدثنا أبو معاوية ،  عن  [ ص: 229 ] الأعمش ،  عن مسلم ،  عن مسروق  في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، قال : احتج المسلمون وأهل الكتاب ،  فقال المسلمون : نحن أهدى منكم! وقال أهل الكتاب   : نحن أهدى منكم! فأنزل الله : ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب  قال : ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن   " ، إلى آخر الآيتين . 
10493 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب  افتخروا ، فقال أهل الكتاب   : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم! وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله! فأنزل الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، إلى قوله : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا   " ، فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان  . 
10494 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : التقى ناس من اليهود  والنصارى ،  فقالت اليهود  للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن على دين إبراهيم ، ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا! وقالت النصارى  مثل ذلك ، فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ، ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم  وإسماعيل  وإسحاق ،  ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا! فرد الله عليهم قولهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، ثم فضل الله  [ ص: 230 ] المؤمنين عليهم فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا   " . 
10495 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، تخاصم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا أول كتاب وخيرها ، ونبينا خير الأنبياء! وقال أهل الإنجيل نحوا من ذلك ، وقال أهل الإسلام : لا دين إلا دين الإسلام ، وكتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم! فقضى الله بينهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، ثم خير بين أهل الأديان ففضل أهل الفضل فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن   " إلى قوله : " واتخذ الله إبراهيم خليلا   " . 
10496 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، إلى : ولا نصيرا تحاكم أهل الأديان ، فقال أهل التوراة : كتابنا خير الكتب ، أنزل قبل كتابكم ، ونبينا خير الأنبياء! وقال أهل الإنجيل مثل ذلك ، وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام ، كتابنا نسخ كل كتاب ، ونبينا خاتم النبيين ، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ، ونعمل بكتابنا! فقضى الله بينهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، وخير بين أهل الأديان فقال : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا   . " 
10497 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا يعلى بن عبيد   [ ص: 231 ] وأبو زهير ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن أبي صالح  قال : جلس أناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان ، فقال هؤلاء : نحن أفضل! وقال هؤلاء : نحن أفضل! فأنزل الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " . ثم خص الله أهل الإيمان فقال : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن   " . 
10498 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبو أسامة ،  عن إسماعيل ،  عن أبي صالح  قال : جلس أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الزبور فتفاخروا فقال هؤلاء : نحن أفضل! وقال هؤلاء : نحن أفضل! وقال هؤلاء : نحن أفضل! فأنزل الله : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا   " . 
10499 - حدثنا يحيى بن أبي طالب  قال : حدثنا يزيد  قال : أخبرنا جويبر ،  عن الضحاك  في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، قال : افتخر أهل الأديان ، فقالت اليهود   : كتابنا خير الكتب وأكرمها على الله ، ونبينا أكرم الأنبياء على الله ، موسى  كلمه الله قبلا وخلا به نجيا ، وديننا خير الأديان! وقالت النصارى   : عيسى ابن مريم  خاتم الرسل ، وآتاه الله التوراة والإنجيل ، ولو أدركه موسى  لاتبعه ، وديننا خير الأديان! وقالت المجوس  وكفار العرب : ديننا أقدم الأديان وخيرها! وقال المسلمون : محمد  نبينا خاتم النبيين  [ ص: 232 ] وسيد الأنبياء ، والفرقان آخر ما أنزل من الكتب من عند الله ، وهو أمين على كل كتاب ، والإسلام خير الأديان! فخير الله بينهم فقال : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " . 
وقال آخرون : بل عنى الله بقوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، أهل الشرك به من عبدة الأوثان . 
ذكر من قال ذلك : 
10500 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، قال : قريش ،  قالت : "لن نبعث ولن نعذب" . 
 10501 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " ليس بأمانيكم   " ، قال : قالت قريش   : "لن نبعث ولن نعذب" ، فأنزل الله : " من يعمل سوءا يجز به   " . 
10502 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية  قال : حدثنا ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : قالت العرب : "لن نبعث ولن نعذب" ، وقالت اليهود  والنصارى   : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى   ) [ سورة البقرة : 111 ] ، أو قالوا : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة   ) ، [ سورة البقرة : 80 ] شك أبو بشر   . 
10503 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد   : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، قريش   [ ص: 233 ] وكعب بن الأشرف   " من يعمل سوءا يجز به   " . 
10504 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : سمعت ابن زيد  يقول في قوله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب   " إلى آخر الآية ، قال : جاء حيي بن أخطب  إلى المشركين فقالوا له : يا حيي ،  إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد  وأصحابه؟ فقال : نحن وأنتم خير منه! فذلك قوله : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب   ) إلى قوله : ( ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا   ) [ سورة النساء : 51 ، 52 ] . ثم قال للمشركين : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، فقرأ حتى بلغ : " ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن   " ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا  قال : ووعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك ، وقرأ : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون   )  [ سورة العنكبوت : 7 ] . 
10505 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام ،  عن عنبسة ،  عن محمد بن عبد الرحمن ،  عن القاسم بن أبي بزة ،  عن مجاهد  في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : قالت قريش   : "لن نبعث ولن نعذب"!  [ ص: 234 ] 
وقال آخرون : عني به أهل الكتاب  خاصة . 
ذكر من قال ذلك : 
10506 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  قال : سمعت الضحاك  يقول : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " الآية ، قال : نزلت في أهل الكتاب حين خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم . 
قال أبو جعفر   : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك ، ما قال مجاهد   : من أنه عنى بقوله : " ليس بأمانيكم   " ، مشركي قريش   . 
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله : " ليس بأمانيكم   " ، وإنما جرى ذكر أماني نصيب الشيطان المفروض ، وذلك في قوله : " ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام   " ، وقوله : " يعدهم ويمنيهم   " ، فإلحاق معنى قوله جل ثناؤه : " ليس بأمانيكم   " بما قد جرى ذكره قبل ، أحق وأولى من ادعاء تأويل فيه ، لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا إجماع من أهل التأويل . 
وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية إذا : ليس الأمر بأمانيكم ، يا معشر أولياء الشيطان وحزبه ، التي يمنيكموها وليكم عدو الله ، من إنقاذكم ممن أرادكم بسوء ، ونصرتكم عليه وإظفاركم به ، ولا أماني أهل الكتاب الذين قالوا اغترارا بالله وبحلمه عنهم : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة   ) و ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى   ) ، فإن الله مجازي كل عامل منكم جزاء عمله ، من يعمل منكم سوءا ، ومن غيركم ، يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة .  [ ص: 235 ] 
ومما يدل أيضا على صحة ما قلنا في تأويل ذلك ، وأنه عني بقوله : " ليس بأمانيكم   " مشركو العرب ، كما قال مجاهد ،  أن الله وصف وعد الشيطان ما وعد أولياءه وأخبر بحال وعده ، ثم أتبع ذلك بصفة وعده الصادق بقوله : "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا   " ، وقد ذكر جل ثناؤه مع وصفه وعد الشيطان أولياءه ، تمنيته إياهم الأماني بقوله : " يعدهم ويمنيهم   " ، كما ذكر وعده إياهم . فالذي هو أشبه أن يتبع تمنيته إياهم من الصفة ، بمثل الذي أتبع عدته إياهم به من الصفة . 
وإذ كان ذلك كذلك ، صح أن قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " الآية ، إنما هو خبر من الله عن أماني أولياء الشيطان ، وما إليه صائرة أمانيهم مع سيئ أعمالهم من سوء الجزاء ، وما إليه صائرة أعمال أولياء الله من حسن الجزاء . وإنما ضم جل ثناؤه أهل الكتاب  إلى المشركين في قوله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب   " ، لأن أماني الفريقين من تمنية الشيطان إياهم التي وعدهم أن يمنيهموها بقوله : " ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم   " . 
القول في تأويل قوله ( من يعمل سوءا يجز به    ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . 
فقال بعضهم : عنى ب "السوء" كل معصية لله . وقالوا : معنى الآية : من يرتكب صغيرة أو كبيرة من مؤمن أو كافر من معاصي الله ، يجازه الله بها . 
ذكر من قال ذلك :  [ ص: 236 ] 
10507 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : أن الربيع بن زياد  سأل أبي بن كعب  عن هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به   " ، فقال : ما كنت أراك إلا أفقه مما أرى! النكبة والعود والخدش . 
10508 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا غندر ،  عن  هشام الدستوائي  قال : حدثنا قتادة ،  عن الربيع بن زياد  قال : قلت  لأبي بن كعب   : قول الله تبارك وتعالى : " من يعمل سوءا يجز به   " ، والله إن كان كل ما عملنا جزينا به هلكنا! قال : والله إن كنت لأراك أفقه مما أرى! لا يصيب رجلا خدش ولا عثرة إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر ، حتى اللدغة والنفحة . 
10509 - حدثنا القاسم بن بشر بن معروف  قال : حدثنا سليمان بن حرب  قال : حدثنا حماد بن زيد ،  عن حجاج الصواف ،  عن أيوب ،  عن أبي قلابة ،  عن أبي المهلب  قال : دخلت على عائشة  كي أسألها عن هذه الآية :  [ ص: 237 ]  " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، قالت : ذاك ما يصيبكم في الدنيا . 
10510 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : أخبرني خالد   : أنه سمع  مجاهدا  يقول في قوله : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : يجز به في الدنيا . قال قلت : وما تبلغ المصيبات؟ قال : ما تكره  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : من يعمل سوءا من أهل الكفر ، يجز به . 
ذكر من قال ذلك : 
10511 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا  يزيد بن هارون ،  عن حماد بن سلمة ،  عن حميد ،  عن الحسن   : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : الكافر ، ثم قرأ : ( وهل نجازي إلا الكفور   ) [ سورة سبأ : 17 ] ، قال : من الكفار .  [ ص: 238 ] 
10512 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا سهل ،  عن حميد ،  عن الحسن ،  مثله . 
10513 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا أبو همام الأهوازي ،  عن يونس بن عبيد ،  عن الحسن   : أنه كان يقول : " من يعمل سوءا يجز به   " ، و ( وهل نجازي إلا الكفور   ) ، [ سورة سبأ : 17 ] ، يعني بذلك الكفار ، لا يعني بذلك أهل الصلاة . 
10514 - حدثني الحارث  قال : حدثنا عبد العزيز  قال : حدثنا مبارك ،  عن الحسن  في قوله : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : والله ما جازى الله عبدا بالخير والشر إلا عذبه . قال : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى   ) ، [ سورة النجم : 31 ] . قال : أما والله لقد كانت لهم ذنوب ، ولكنه غفرها لهم ولم يجازهم بها ، إن الله لا يجازي عبده المؤمن بذنب ، إذا توبقه ذنوبه . 
10515 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : سمعت ابن زيد  يقول في قوله : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك يعني المشركين  . 
10516 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبو معاوية ،  عن عاصم ،  عن الحسن   : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : إنما ذلك لمن أراد الله هوانه ، فأما من أراد كرامته ، فإنه من أهل الجنة : ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون   ) ، [ سورة الأحقاف : 16 ] 
10517 - حدثني يحيى بن أبي طالب  قال : أخبرنا يزيد  قال : أخبرنا جويبر ،  عن الضحاك   : " من يعمل سوءا يجز به   " ، يعني بذلك : اليهود  والنصارى   [ ص: 239 ] والمجوس  وكفار العرب" ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا   " . 
وقال آخرون : معنى "السوء" في هذا الموضع : الشرك . قالوا : وتأويل قوله : " من يعمل سوءا يجز به   " ، من يشرك بالله يجز بشركه " ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا   " . 
ذكر من قال ذلك : 
10518 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : " من يعمل سوءا يجز به   " ، يقول : من يشرك يجز به وهو "السوء"" ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا   " ، إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه  . 
10519 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام ،  عن عنبسة ،  عن  ابن أبي ليلى ،  عن  المنهال بن عمرو ،  عن سعيد بن جبير   : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : الشرك . 
قال أبو جعفر   : وأولى التأويلات التي ذكرناها بتأويل الآية ، التأويل الذي ذكرناه عن أبي بن كعب   وعائشة   : وهو أن كل من عمل سوءا صغيرا أو كبيرا من مؤمن أو كافر ، جوزي به . 
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية لعموم الآية كل عامل سوء ، من غير أن يخص أو يستثنى منهم أحد . فهي على عمومها ، إذ لم يكن في الآية دلالة على خصوصها ، ولا قامت حجة بذلك من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم . 
فإن قال قائل : وأين ذلك من قول الله : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم   ) . [ سورة النساء : 31 ] ؟ وكيف يجوز أن يجازي على ما قد وعد تكفيره؟  [ ص: 240 ] 
قيل : إنه لم يعد بقوله : " نكفر عنكم سيئاتكم   " ، ترك المجازاة عليها ، وإنما وعد التكفير بترك الفضيحة منه لأهلها في معادهم ، كما فضح أهل الشرك والنفاق . فأما إذا جازاهم في الدنيا عليها بالمصائب ليكفرها عنهم بها ، ليوافوه ولا ذنب لهم يستحقون المجازاة عليه ، فإنما وفى لهم بما وعدهم بقوله : " نكفر عنكم سيئاتكم   " ، وأنجز لهم ما ضمن لهم بقوله : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار   ) ، [ سورة النساء : 122 ] . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك : تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
ذكر الأخبار الواردة بذلك : 
10520 - حدثنا أبو كريب   وسفيان بن وكيع   ونصر بن علي  وعبد الله بن أبي زياد القطواني  قالوا ، حدثنا سفيان بن عيينة ،  عن ابن محيصن ،  عن محمد بن قيس بن مخرمة ،  عن  أبي هريرة  قال : لما نزلت هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به   " ، شقت على المسلمين ، وبلغت منهم ما شاء الله أن تبلغ ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قاربوا وسددوا ، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة ، حتى النكبة ينكبها ، أو الشوكة يشاكها  . 
10521 - حدثني عبد الله بن أبي زياد   وأحمد بن منصور الرمادي  قالا : حدثنا  زيد بن حباب  قال : حدثنا عبد الملك بن الحسن الحارثي  قال : حدثنا  [ ص: 241 ] محمد بن زيد بن قنفذ ،  عن عائشة ،  عن أبي بكر  قال : لما نزلت : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال أبو بكر   : يا رسول الله ، كل ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال : يا أبا بكر ،  أليس يصيبك كذا وكذا؟ فهو كفارته  . 
10522 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري  قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ،  عن زياد الجصاص ،  عن علي بن زيد ،  عن مجاهد  قال : حدثني عبد الله بن عمر   : أنه سمع أبا بكر  يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من يعمل سوءا يجز به في الدنيا . 
10523 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام ،  عن إسماعيل ،  عن أبي بكر بن أبي زهير ،  عن  أبي بكر الصديق  أنه قال : يا نبي الله ، كيف الصلاح بعد  [ ص: 242 ] هذه الآية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أية آية؟ قال يقول الله : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، فما عملناه جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك يا أبا بكر   ! ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال : فهو ما تجزون به! 
10524 - حدثنا يونس  قال : حدثنا سفيان ،  عن إسماعيل بن أبي خالد  قال : أظنه عن أبي بكر الثقفي ،  عن أبي بكر  قال : لما نزلت هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به   " ، قال أبو بكر   : كيف الصلاح؟ ثم ذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه : ألست تنكب؟ 
10525 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ،  عن أبي بكر بن أبي زهير   : أن أبا بكر  قال للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف الصلاح؟ فذكر مثله . 
10526 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي  قال : حدثنا أبو مالك الجنبي ،  عن إسماعيل بن أبي خالد ،  عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي  قال : قال أبو بكر   : يا رسول الله ، فذكر نحوه إلا أنه قال : فكل سوء عملناه جزينا به؟ وقال أيضا : ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس تصيبك اللأواء؟ قال : بلى ، قال : هو ما تجزون به! 
10527 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ،  عن  [ ص: 243 ] أبي بكر بن أبي زهير الثقفي  قال : لما نزلت هذه الآية : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " ، قال : قال أبو بكر   : يا رسول الله ، وإنا لنجزى بكل شيء نعمله؟ قال : يا أبا بكر ، ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فهذا مما تجزون به  . 
10528 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا يحيى بن سعيد  قال : حدثنا ابن أبي خالد  قال : حدثني أبو بكر بن أبي زهير الثقفي ،  عن أبي بكر ،  فذكر مثله . 
10529 - حدثنا أبو السائب   وسفيان بن وكيع  قالا : حدثنا أبو معاوية ،  عن الأعمش ،  عن مسلم  قال : قال أبو بكر   : يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية : " من يعمل سوءا يجز به   "؟ قال : يا أبا بكر ،  إن المصيبة في الدنيا جزاء .  [ ص: 244 ] 
10530 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا روح بن عبادة  قال : حدثنا أبو عامر الخزاز ،  عن  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت ، قلت : إني لأعلم أي آية في كتاب الله أشد . فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أي آية؟ فقلت : " من يعمل سوءا يجز به   "! قال : "إن المؤمن ليجازى بأسوأ عمله في الدنيا" ، ثم ذكر أشياء منهن المرض والنصب ، فكان آخره أنه ذكر النكبة ، فقال : "كل ذي يجزى به بعمله ، يا عائشة ،  إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يعذب" . فقلت : أليس يقول الله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا   ) ، [ سورة الانشقاق : 8 ] ؟ فقال : ذاك عند العرض ، إنه من نوقش الحساب عذب ، وقال بيده على إصبعه ، كأنه ينكته  .  [ ص: 245 ] 
10531 - حدثني القاسم بن بشر بن معروف  قال : حدثنا سليمان بن حرب  قال : حدثنا حماد بن سلمة ،  عن علي بن زيد ،  عن أمية  قالت : سألت عائشة  عن هذه الآية : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله   ) ، [ سورة البقرة : 284 ] ، و " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   " . قالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها  [ ص: 246 ] فقال : يا عائشة ،  ذاك مثابة الله للعبد بما يصيبه من الحمى والكبر ، والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها ، فيفزع لها فيجدها في كمه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير  . 
10532 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا أبو عامر الخزاز  قال : حدثنا  ابن أبي مليكة ،  عن عائشة  قالت : قلت يا رسول الله ، إني لأعلم أشد آية في القرآن! فقال : ما هي يا  عائشة؟  قلت : هي هذه الآية يا رسول الله : من يعمل سوءا يجز به  فقال : هو ما يصيب العبد المؤمن ، حتى النكبة ينكبها . 
10533 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية ،  عن الربيع بن صبيح ،  عن عطاء  قال : لما نزلت : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به   "  [ ص: 247 ] قال أبو بكر   : يا رسول الله ، ما أشد هذه الآية؟ قال : يا أبا بكر ،  إنك تمرض ، وإنك تحزن ، وإنك يصيبك أذى ، فذاك بذاك  . 
10534 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح  قال : لما نزلت قال أبو بكر   : جاءت قاصمة الظهر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي المصيبات في الدنيا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					