[ ص: 175 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون    ( 22 ) ) 
قال أبو جعفر   : وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول قوم موسى  لموسى ،  جوابا لقوله لهم : " ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم   " ، فقالوا : " إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها   " ، يعنون : [ حتى يخرج ] من الأرض المقدسة الجبارون الذين فيها ، جبنا منهم ، وجزعا من قتالهم . وقالوا له : إن يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها ، وإلا فإنا لا نطيق دخولها وهم فيها ، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يدان . 
11663 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  أن كالب بن يافنا ،  أسكت الشعب عن موسى  صلى الله عليه وسلم فقال لهم : إنا سنعلو الأرض ونرثها ، وإن لنا بهم قوة! وأما الذين كانوا معه فقالوا : لا نستطيع أن نصل إلى ذلك الشعب ، من أجل أنهم أجرأ منا! ثم إن أولئك الجواسيس أخبروا بني إسرائيل الخبر ، وقالوا : إنا مررنا في أرض وحسسناها ، فإذا هي تأكل ساكنها ، ورأينا رجالها جساما ، ورأينا الجبابرة بني الجبابرة ، وكنا في أعينهم مثل الجراد! فأرجفت الجماعة من بني إسرائيل ، فرفعوا أصواتهم بالبكاء . فبكى الشعب تلك الليلة ، ووسوسوا على موسى  وهارون ،  فقالوا لهما : يا ليتنا متنا في أرض مصر   ! وليتنا نموت في هذه البرية ، ولم يدخلنا الله هذه الأرض لنقع في الحرب ، فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا غنيمة! ولو كنا قعودا في أرض مصر ، كان خيرا لنا وجعل الرجل يقول لأصحابه : تعالوا نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر  .  [ ص: 176 ] 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   ) 
قال أبو جعفر   : وهذا خبر من الله عز ذكره عن الرجلين الصالحين من قوم موسى   : " يوشع بن نون   " و" كالب بن يافنا   " ، أنهما وفيا لموسى  بما عهد إليهما من ترك إعلام قومه بني إسرائيل الذين أمرهم بدخول الأرض المقدسة على الجبابرة من الكنعانيين  بما رأيا وعاينا من شدة بطش الجبابرة وعظم خلقهم ، ووصفهما الله عز وجل بأنهما ممن يخاف الله ويراقبه في أمره ونهيه ، كما : - 
11664 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان  ح ، وحدثنا ابن وكيع  قال حدثنا أبي ،  عن سفيان  ح ، وحدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع ،  عن سفيان  عن منصور ،  عن مجاهد   : "قال : رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ، قال : كلاب بن يافنا ،  ويوشع بن نون   . 
11665 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام ،  عن عمرو بن أبي قيس ،  عن منصور ،  عن مجاهد  قال : " رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ، قال : يوشع بن نون ،  وكلاب بن يافنا ،  وهما من النقباء . 
11666 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قصة ذكرها ، قال : فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم ، إلا يوشع بن نون ،  وكلاب بن يافنة ،  يأمران الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم ،  فعصوهما ، وأطاعوا الآخرين ، فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما  .  [ ص: 177 ] 
11667 - حدثنا ابن حميد   وسفيان بن وكيع  قالا : حدثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  مثل حديث ابن بشار ،  عن ابن مهدي  إلا أن ابن حميد  قال في حديثه : هما من الاثني عشر نقيبا . 
11668 - حدثني  عبد الكريم بن الهيثم  قال : حدثنا إبراهيم بن بشار  قال : حدثنا سفيان  قال : قال أبو سعيد ،  قال عكرمة ،  عن ابن عباس  في قصة ذكرها . قال : فرجعوا يعني النقباء الاثني عشر إلى موسى ،  فأخبروه بما عاينوا من أمرهم ، فقال لهم موسى   : اكتموا شأنهم ، ولا تخبروا به أحدا من أهل العسكر ، فإنكم إن أخبرتموهم بهذا الخبر فشلوا ولم يدخلوا المدينة . قال : فذهب كل رجل منهم فأخبر قريبه وابن عمه ، إلا هذين الرجلين يوشع بن نون ،  وكلاب بن يوفنة  فإنهما كتما ولم يخبرا به أحدا ، وهما اللذان قال الله عز وجل : " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ، إلى قوله : " وبين القوم الفاسقين   " . 
11669 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : "قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ، وهما اللذان كتماهم : يوشع بن نون  فتى موسى ،  وكالوب بن يوفنة  ختن موسى   . 
11670 - حدثنا سفيان  قال : حدثنا عبيد الله ،  عن  فضيل بن مرزوق ،  عن عطية   : "قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ، كالوب ،  ويوشع بن النون  فتى موسى   . 
11671 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي  قال : حدثني عمي   [ ص: 178 ] قال : حدثني أبي ،  عن أبيه ،  عن ابن عباس  قوله : "قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ، والرجلان اللذان أنعم الله عليهما من بني إسرائيل : يوشع بن النون ،  وكالوب بن يوفنة   . 
11672 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ذكر لنا أن الرجلين : يوشع بن نون  وكالب . 
11673 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ،  عن أبيه ،  عن الربيع   : أن موسى  قال للنقباء لما رجعوا فحدثوه العجب : "لا تحدثوا أحدا بما رأيتم ، إن الله سيفتحها لكم ويظهركم عليها من بعد ما رأيتم" وإن القوم أفشوا الحديث في بني إسرائيل ، فقام رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ، كان أحدهما فيما سمعنا يوشع بن نون  وهو فتى موسى ،  والآخر كالب   - فقالا : "ادخلوا عليهم الباب" إلى"إن كنتم مؤمنين" . 
قال أبو جعفر   : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " قال رجلان من الذين يخافون   " . 
قرأ ذلك قرأة الحجاز  والعراق  والشام   : ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   ) بفتح "الياء" من "يخافون" ، على التأويل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفا ، أنهما يوشع بن نون  وكالب ،  من قوم موسى ،  ممن يخاف الله ، وأنعم عليهما بالتوفيق .  [ ص: 179 ] 
وكان قتادة  يقول : في بعض القراءة : ( قال رجلان من الذين يخافون الله أنعم الله عليهما ) . 
11674 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  ح ، وحدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة   : " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ، في بعض الحروف : ( يخافون الله أنعم الله عليهما ) . 
وهذا أيضا مما يدل على صحة تأويل من تأول ذلك على ما ذكرنا عنه أنه قال : يوشع ،  وكالب . 
وروي عن سعيد بن جبير  أنه كان يقرأ ذلك : ( قال رجلان من الذين يخافون   ) بضم الياء ( أنعم الله عليهما   ) . 
11675 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف  قال : حدثنا  القاسم بن سلام  قال : حدثنا هشيم ،  عن القاسم بن أبي أيوب  ولا نعلمه أنه سمع منه عن سعيد بن جبير   : أنه كان يقرؤها بضم الياء من : ( يخافون ) . 
وكأن سعيدا  ذهب في قراءته هذه إلى أن الرجلين اللذين أخبر الله عنهما أنهما قالا لبني إسرائيل : " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون    " ، كانا من رهط الجبابرة ، وكانا أسلما واتبعا موسى ،  فهما من أولاد الجبابرة الذين يخافهم بنو إسرائيل ، وإن كانوا لهم في الدين مخالفين . 
وقد حكي نحو هذا التأويل عن ابن عباس   .  [ ص: 180 ] 
11676 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : " ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين   " ، قال : هي مدينة الجبارين . لما نزل بها موسى  وقومه ، بعث منهم اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكر بعثتهم ليأتوه بخبرهم . فساروا ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه ، فقالوا : من أنتم؟ فقالوا : نحن قوم موسى ،  بعثنا إليكم لنأتيه بخبركم! فأعطوهم حبة من عنب بوقر الرجل ، فقالوا لهم : اذهبوا إلى موسى  وقومه فقولوا لهم : اقدروا قدر فاكهتهم! فلما أتوهم قالوا لموسى   : " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون   "!"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ، وكانا من أهل المدينة أسلما واتبعا موسى  وهارون ،  فقالا لموسى   : " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين   " . 
قال أبو جعفر   : فعلى هذه القراءة وهذا التأويل ، لم يكتم من الاثني عشر نقيبا أحد ما أمرهم موسى  بكتمانه بني إسرائيل مما رأوا وعاينوا من عظم أجسام الجبابرة ، وشدة بطشهم ، وعجيب أمورهم ، بل أفشوا ذلك كله . وإنما القائل للقوم ولموسى   : "ادخلوا عليهم الباب" ، رجلان من أولاد الذين كان بنو إسرائيل يخافونهم ويرهبون الدخول عليهم من الجبابرة ، كانا أسلما وتبعا نبي الله صلى الله عليه وسلم . 
قال أبو جعفر   : وأولى القراءتين بالصواب عندنا قراءة من قرأ :  [ ص: 181 ]  ( من الذين يخافون أنعم الله عليهما   ) لإجماع قرأة الأمصار عليها وأن ما استفاضت به القراءة عنهم ، فحجة لا يجوز خلافها ، وما انفرد به الواحد ، فجائز فيه الخطأ والسهو . ثم في إجماع الحجة في تأويلها على أنهما رجلان من أصحاب موسى  من بني إسرائيل وأنهما يوشع  وكلاب ،  ما أغنى عن الاستشهاد على صحة القراءة بفتح "الياء" في ذلك ، وفساد غيره . وهو التأويل الصحيح عندنا ، لما ذكرنا من إجماعها عليه . 
وأما قوله : "أنعم الله عليهما" ، فإنه يعني : أنعم الله عليهم بطاعة الله في طاعة نبيه موسى  صلى الله عليه ، وانتهائهم إلى أمره ، والانزجار عما زجرهما عنه صلى الله عليه وسلم ، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الجبارين إلى بني إسرائيل ، الذي حدث عنه أصحابهما الآخرون الذين كانوا معهما من النقباء . 
وقد قيل إن معنى ذلك : أنعم الله عليهما بالخوف . 
ذكر من قال ذلك : 
11677 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا خلف بن تميم  قال : حدثنا إسحاق بن القاسم ،  عن سهل بن علي  قوله : " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ، قال : أنعم الله عليهما بالخوف .  [ ص: 182 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان الضحاك  يقول ، وجماعة غيره . 
11678 - حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  قال : حدثني عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما   " ، بالهدى فهداهما ، فكانا على دين موسى ،  وكانا في مدينة الجبارين . 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون   ) 
قال أبو جعفر   : وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول الرجلين اللذين يخافان الله لبني إسرائيل ، إذ جبنوا وخافوا من الدخول على الجبارين ، لما سمعوا خبرهم ، وأخبرهم النقباء الذين أفشوا ما عاينوا من أمرهم فيهم ، وقالوا : " إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها   " ، فقالا لهم : ادخلوا عليهم ، أيها القوم باب مدينتهم ، فإن الله معكم ، وهو ناصركم ، وإنكم إذا دخلتم الباب غلبتموهم ، كما : - 
11679 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول ، قال : لما هم بنو إسرائيل بالانصراف إلى مصر ،  حين أخبرهم النقباء بما أخبروهم من أمر الجبابرة ، خر موسى  وهارون  على وجوههما سجودا قدام جماعة بني إسرائيل ، وخرق يوشع بن نون  وكالب بن يافنا  ثيابهما ، وكانا من جواسيس الأرض ، وقالا لجماعة بني إسرائيل : "إن الأرض مررنا بها وحسسناها صالحة ، رضيها ربنا لنا فوهبها لنا ، وإنها . . تفيض لبنا وعسلا ولكن افعلوا واحدة :  [ ص: 183 ] لا تعصوا الله ، ولا تخشوا الشعب الذين بها ، فإنهم خبزنا ، ومدفعون في أيدينا ، إن كبرياءهم ذهبت منهم ، وإن الله معنا فلا تخشوهم . فأراد جماعة من بني إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة . 
11680 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : ذكر لنا أنهم بعثوا اثني عشر رجلا من كل سبط رجلا عيونا لهم ، وليأتوهم بأخبار القوم . فأما عشرة فجبنوا قومهم وكرهوا إليهم الدخول عليهم . وأما الرجلان فأمرا قومهما أن يدخلوها ، وأن يتبعوا أمر الله ، ورغبا في ذلك ، وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك  . 
11681 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله : "عليهم الباب" ، قرية الجبارين .  [ ص: 184 ] 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين    ( 23 ) ) 
قال أبو جعفر   : وهذا أيضا خبر من الله جل وعز عن قول الرجلين اللذين يخافان الله ، أنهما قالا لقوم موسى  يشجعانهم بذلك ، ويرغبانهم في المضي لأمر الله بالدخول على الجبارين في مدينتهم توكلوا أيها القوم ، على الله في دخولكم عليهم ، فيقولان لهم : ثقوا بالله ، فإنه معكم إن أطعتموه فيما أمركم من جهاد عدوكم . وعنيا بقولهما : "إن كنتم مؤمنين" إن كنتم مصدقي نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما أنبأكم عن ربكم من النصرة والظفر عليهم ، وفي غير ذلك من إخباره عن ربه ومؤمنين بأن ربكم قادر على الوفاء لكم بما وعدكم من تمكينكم في بلاد عدوه وعدوكم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					