القول في تأويل قوله ( فكفارته إطعام عشرة مساكين   ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في"الهاء " التي في قوله : "فكفارته " ، على ما هي عائدة ، ومن ذكر ما ؟ 
فقال بعضهم : هي عائدة على"ما " التي في قوله : "بما عقدتم الأيمان" . 
ذكر من قال ذلك : 
12360 - حدثنا ابن بشار  قال ، حدثنا ابن أبي عدي ،  عن عوف ،   [ ص: 526 ] عن الحسن  في هذه الآية " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، قال : هو أن تحلف على الشيء وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك ، فلا يؤاخذكم الله ، فلا كفارة . ولكن المؤاخذة والكفارة ، فيما حلفت عليه على علم . 
12361 - حدثنا ابن حميد   وابن وكيع  قالا : حدثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مغيرة ،  عن الشعبي  قال : اللغو ليس فيه كفارة " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، قال : ما عقدت فيه يمينه ، فعليه الكفارة  . 
12362 - حدثني يعقوب  قال ، حدثنا هشيم  قال ، أخبرنا حصين ،  عن أبي مالك  قال : الأيمان ثلاث   : يمين تكفر ، ويمين لا تكفر ، ويمين لا يؤاخذ بها صاحبها . فأما اليمين التي تكفر ، فالرجل يحلف على الأمر لا يفعله ، ثم يفعله ، فعليه الكفارة . وأما اليمين التي لا تكفر : فالرجل يحلف على الأمر يتعمد فيه الكذب ، فليس فيه كفارة . وأما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها ، فالرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه ، فلا يكون كذلك ، فليس عليه فيه كفارة . وهو"اللغو" . 
12363 - حدثني يعقوب  قال ، حدثنا هشيم  قال ، أخبرنا  ابن أبي ليلى ،  عن عطاء  قال : قالت عائشة   : لغو اليمين ،  ما لم يعقد عليه الحالف قلبه . 
12364 - حدثني يعقوب  قال ، حدثنا  ابن علية  قال ، حدثنا هشام  قال ، حدثنا حماد ،  عن إبراهيم  قال : ليس في لغو اليمين كفارة  . 
12365 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، أخبرني يونس ،  عن ابن شهاب   : أن عروة  حدثه : أن عائشة  قالت : أيمان  [ ص: 527 ] الكفارة ، كل يمين حلف فيها الرجل على جد من الأمور في غضب أو غيره : "ليفعلن ، ليتركن " ، فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة ، وقال تعالى ذكره : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " . 
12366 - حدثني يونس  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، أخبرني معاوية بن صالح ،  عن يحيى بن سعيد ،  وعن علي بن أبي طلحة  قالا ليس في لغو اليمين كفارة   . 
12367 - حدثنا بشر  قال ، حدثنا جامع بن حماد  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن   : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، يقول : ما تعمدت فيه المأثم ، فعليك فيه الكفارة . قال ، وقال قتادة   : أما اللغو ، فلا كفارة فيه  . 
12368 - حدثنا هناد  قال ، حدثنا عبدة ،  عن سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن  قال : لا كفارة في لغو اليمين . 
12369 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا عمرو العنقزي ،  عن أسباط ،  عن  السدي   : ليس في لغو اليمين كفارة . 
قال أبو جعفر   : فمعنى الكلام على هذا التأويل : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، فكفارة ما عقدتم منها إطعام عشرة مساكين .  [ ص: 528 ] 
وقال آخرون : "الهاء " في قوله : "فكفارته " ، عائدة على"اللغو " ، وهي كناية عنه . قالوا : وإنما معنى الكلام : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إذا كفرتموه ، ولكن يؤاخذكم إذا عقدتم الأيمان فأقمتم على المضي عليه بترك الحنث ، والكفارة فيه . والإقامة على المضي عليه ، غير جائزة لكم . فكفارة اللغو منها إذا حنثتم فيه ، إطعام عشرة مساكين . 
ذكر من قال ذلك : 
12370 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا عبد الله بن صالح  قال ، حدثني معاوية بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس  قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه ، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى : قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " إلى قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، قال : واللغو من الأيمان ، هي التي تكفر ، لا يؤاخذ الله بها . ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له ، ولم يتحول عنه ، ولم يكفر عن يمينه ، فتلك التي يؤخذ بها  . 
12371 - حدثنا هناد  قال ، حدثنا  حفص بن غياث ،  عن  داود بن أبي هند ،  عن سعيد بن جبير  قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، قال : هو الذي يحلف على المعصية فلا يفي ، فيكفر . 
12372 - حدثنا  محمد بن المثنى  قال ، حدثنا عبد الوهاب  قال ، حدثنا داود ،  عن سعيد بن جبير   : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، قال : هو  [ ص: 529 ] الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله تعالى ذكره ، يكفر عن يمينه ، ويأتي الذي هو خير " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " ، الرجل يحلف على المعصية ثم يقيم عليها ، فكفارته إطعام عشرة مساكين . 
12373 - حدثني يعقوب  قال ، حدثنا  ابن علية  قال ، أخبرنا داود ،  عن سعيد بن جبير ،  قال في لغو اليمين : هي اليمين في المعصية ، فقال : أولا تقرأ فتفهم ؟ قال : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان   " . قال : فلا يؤاخذه بالإلغاء ، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها ، قال وقال : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم   )  [ سورة البقرة : 224 ] . 
12374 - حدثني يعقوب  قال ، حدثنا هشيم  قال ، أخبرنا أبو بشر ،  عن سعيد بن جبير  في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، قال : هو الرجل يحلف على المعصية ، فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها . قلت : وكيف يصنع؟ قال : يكفر يمينه ويترك المعصية  . 
12375 - حدثنا هناد  قال ، حدثنا أبو الأحوص ،  عن مغيرة ،  عن إبراهيم  قال : "اللغو " ، يمين لا يؤاخذ بها صاحبها ، وفيها كفارة  . 
12376 - حدثني يحيى بن جعفر  قال ، حدثنا  يزيد بن هارون  قال ، أخبرنا جويبر ،  عن الضحاك  في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، قال : اليمين المكفرة  . 
 [ ص: 530 ] قال أبو جعفر   : والذي هو أولى عندي بالصواب في ذلك ، أن تكون"الهاء " في قوله : "فكفارته " عائدة على"ما " التي في قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، لما قدمنا فيما مضى قبل أن من لزمته في يمينه كفارة وأوخذ بها ، غير جائز أن يقال لمن قد أوخذ : "لا يؤاخذه الله باللغو" . وفي قوله تعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، دليل واضح أنه لا يكون مؤاخذا بوجه من الوجوه ، من أخبرنا تعالى ذكره أنه غير مؤاخذه . 
فإن ظن ظان أنه إنما عنى تعالى ذكره بقوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، بالعقوبة عليها في الآخرة إذا حنثتم وكفرتم إلا أنه لا يؤاخذهم بها في الدنيا بتكفير فإن إخبار الله تعالى ذكره وأمره ونهيه في كتابه ، على الظاهر العام عندنا بما قد دللنا على صحة القول به في غير هذا الموضع ، فأغنى عن إعادته دون الباطن العام الذي لا دلالة على خصوصه في عقل ولا خبر . ولا دلالة من عقل ولا خبر أنه عنى تعالى ذكره بقوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم   " ، بعض معاني المؤاخذة دون جميعها . 
وإذ كان ذلك كذلك ، وكان من لزمته كفارة في يمين حنث فيها مؤاخذا بها بعقوبة في ماله عاجلة ، كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالى ذكره أنه لا يؤاخذه بها . 
وإذ كان الصحيح من التأويل في ذلك ما قلنا بالذي عليه دللنا ، فمعنى الكلام إذا : لا يؤاخذكم الله أيها الناس ، بلغو من القول والأيمان ، إذا لم تتعمدوا بها معصية الله تعالى ذكره ولا خلاف أمره ، ولم تقصدوا بها إثما ، ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم به الإثم ، وأوجبتموه على أنفسكم ، وعزمت عليه قلوبكم ، ويكفر ذلك  [ ص: 531 ] عنكم ، فيغطي على سيئ ما كان منكم من كذب وزور قول ، ويمحوه عنكم فلا يتبعكم به ربكم " إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					