القول في تأويل قوله ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين    ( 161 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : ( قل ) ، يا محمد ،  لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ( إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم   ) ، يقول : قل لهم إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم ، هو دين الله الذي  [ ص: 282 ] ابتعثه به ، وذلك الحنيفية المسلمة ، فوفقني له ( دينا قيما ) ، يقول : مستقيما ( ملة إبراهيم ) ، يقول : دين إبراهيم   ( حنيفا ) يقول : مستقيما ( وما كان من المشركين ) ، يقول : وما كان من المشركين بالله ، يعني إبراهيم  صلوات الله عليه ؛ لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام . 
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( دينا قيما ) . 
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة  وبعض البصريين : " دينا قيما " بفتح " القاف " وتشديد " الياء " ، إلحاقا منهم ذلك بقول الله : ( ذلك الدين القيم ) [ سورة التوبة : 36 سورة يوسف : 40 سورة الروم : 30 ] . وبقوله : ( وذلك دين القيمة ) [ سورة البينة : 5 ] . 
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( دينا قيما ) بكسر " القاف " وفتح " الياء " وتخفيفها . وقالوا : " القيم " و " القيم " بمعنى واحد ، وهم لغتان معناهما : الدين المستقيم . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار ، متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيب ، غير أن فتح " القاف " وتشديد " الياء " أعجب إلي ؛ لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما . 
ونصب قوله : ( دينا ) على المصدر من معنى قوله : ( إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم   ) ، وذلك أن المعنى : هداني ربي إلى دين قويم ، فاهتديت له " دينا قيما " فالدين منصوب من المحذوف الذي هو " اهتديت " ، الذي ناب عنه قوله : ( إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم   ) .  [ ص: 283 ] 
وقال بعض نحويي البصرة : إنما نصب ذلك ؛ لأنه لما قال : ( هداني ربي إلى صراط مستقيم   ) ، قد أخبر أنه عرف شيئا ، فقال : " دينا قيما " ، كأنه قال : عرفت دينا قيما ملة إبراهيم   . 
وأما معنى الحنيف ، فقد بينته في مكانه في " سورة البقرة " بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 
				
						
						
