القول في تأويل قوله ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء   )  
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها ، ولم يتبعوا رسلنا ( واستكبروا عنها   ) ، يقول : وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرا " لا تفتح لهم " ، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم " أبواب السماء " ، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل ، لأن أعمالهم خبيثة ، وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح ، كما قال جل ثناؤه : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه   ) [ سورة فاطر : 10 ] . 
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) . 
فقال بعضهم : معناه : لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء . 
ذكر من قال ذلك : 
13603 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا يعلى  ، عن أبي سنان  ، عن الضحاك  ، عن ابن عباس   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : عنى بها الكفار ،  [ ص: 422 ] أن السماء لا تفتح لأرواحهم ، وتفتح لأرواح المؤمنين  . 
14604 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا أبو معاوية  ، عن أبي سنان  ، عن الضحاك  قال : قال ابن عباس   : تفتح السماء لروح المؤمن ، ولا تفتح لروح الكافر   . 
14605 - حدثنا محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : إن الكافر إذا أخذ روحه ، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء ، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط ، فضربته ملائكة الأرض فارتفع ، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين . وإذا كان مؤمنا نفخ روحه ، وفتحت له أبواب السماء ، فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه ، حتى ينتهي إلى الله ، فيعطيه حاجته ، ثم يقول الله : ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض ، فإني قضيت من التراب خلقه ، وإلى التراب يعود ، ومنه يخرج  . 
وقال آخرون : معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاء إلى الله . 
ذكر من قال ذلك : 
14606 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا عبيد الله  ، عن سفيان  ، عن ليث  ، عن عطاء  ، عن ابن عباس   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، لا يصعد لهم قول ولا عمل . 
14607 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا عبد الله بن صالح  قال ، حدثني معاوية  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قوله : ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، يعني : لا يصعد إلى الله من عملهم شيء . 
14608 - حدثني محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي  [ ص: 423 ] قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، يقول : لا تفتح لخير يعملون . 
14609 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان  ، عن منصور  ، عن مجاهد   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : لا يصعد لهم كلام ولا عمل . 
14610 - حدثنا مطر بن محمد الضبي  قال ، حدثنا عبد الله بن داود  قال ، حدثنا شريك  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  ، في قوله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء . 
14611 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا  يحيى بن آدم  ، عن شريك  ، عن سالم  ، عن سعيد   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء . 
14612 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا الحماني  قال ، حدثنا شريك  ، عن سعيد   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : لا يرفع لهم عمل صالح ولا دعاء . 
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم . 
ذكر من قال ذلك : 
14613 - حدثني القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج   : ( لا تفتح لهم أبواب السماء   ) ، قال : لأرواحهم ولا لأعمالهم . 
قال أبو جعفر   : وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول ، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم . ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء ، فذلك على ما عمه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء ، مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك ، وذلك ما : -  [ ص: 424 ] 
14614 - حدثنا أبو كريب  قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش  ، عن الأعمش  ، عن المنهال  ، عن زاذان  ، عن البراء   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر ، وأنه يصعد بها إلى السماء ، قال : فيصعدون بها ، فلا يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا : " ما هذا الروح الخبيث " ؟ فيقولون : " فلان " ، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون له فلا يفتح له . ثم قرأ رسول الله : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط   ) 
14615 - حدثنا أبو كريب  قال ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن  ، عن ابن أبي ذئب  ، عن محمد بن عمرو بن عطاء  ، عن  سعيد بن يسار  ، عن  أبي هريرة   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الميت تحضره الملائكة ، فإذا  [ ص: 425 ] كان الرجل الصالح قالوا : " اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان " ، قال : فيقولون ذلك حتى يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : " من هذا " ؟ فيقولون : " فلان " . فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان " ، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله . وإذا كان الرجل السوء قال : " اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج " ، فيقولون ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها ، فيقال : " من هذا " ؟ فيقولون : " فلان " . فيقولون : " لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء " ، فترسل بين السماء والأرض ، فتصير إلى القبر  . 
14616 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم  قال ، حدثنا ابن أبي فديك  قال ، حدثني ابن أبي ذئب  ، عن محمد بن عمرو بن عطاء  ، عن  سعيد بن يسار  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .  [ ص: 426 ] 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة قرأة الكوفة : " لا يفتح لهم أبواب السماء " ، بالياء من " يفتح " ، وتخفيف " التاء " منها ، بمعنى : لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدة وفتحة واحدة . 
وقرأ ذلك بعض المدنيين  وبعض الكوفيين   : ( لا تفتح ) ، بالتاء وتشديد التاء الثانية ، بمعنى : لا يفتح لهم باب بعد باب ، وشيء بعد شيء . 
قال أبو جعفر   : والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى . وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبواب السماء بمرة واحدة ، ولا مرة بعد مرة ، وباب بعد باب . فكلا المعنيين في ذلك صحيح . 
وكذلك " الياء " ، و " التاء " في " يفتح " ، و " تفتح " ، لأن " الياء " بناء على فعل الواحد للتوحيد ، و " التاء " لأن " الأبواب " جماعة ، فيخبر عنها خبر الجماعة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					