القول في تأويل قوله ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور    ( 43 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : وإن الله ، يا محمد ،  سميع لما يقول أصحابك ، عليم بما يضمرونه ، إذ يريك الله عدوك وعدوهم " في منامك قليلا " ، يقول : يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك ، حتى قويت قلوبهم ، واجترأوا على حرب عدوهم ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرا ، لفشل أصحابك ، فجبنوا وخاموا ، ولم يقدروا على حرب القوم ، ولتنازعوا في ذلك ، ولكن الله  [ ص: 570 ] سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا ، إنه عليم بما تجنه الصدور ، لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب . * * * 
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا   " ، أي : في عينك التي تنام بها فصير " المنام " ، هو العين ، كأنه أراد : إذ يريكهم الله في عينك قليلا . * * * 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
* ذكر من قال ذلك : 
16150 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا   " ، قال : أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ، فكان تثبيتا لهم  . 
16151 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، بنحوه . 
16152 - . . . . وقال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا عبد الله  ، عن ورقاء  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، مثله . 
16153 - حدثنا ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق   : " إذ يريكهم الله في منامك قليلا   " ، الآية ، فكان أول ما أراه من ذلك نعمة من نعمه عليهم ، شجعهم بها على عدوهم ، وكف بها ما تخوف عليهم من  [ ص: 571 ] ضعفهم ، لعلمه بما فيهم . * * * 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ولكن الله سلم   " . 
فقال بعضهم : معناه : ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم ، حتى أظهرهم على عدوهم . 
* ذكر من قال ذلك : 
16154 - حدثني محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " ولكن الله سلم   " ، يقول : سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم . * * * 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولكن الله سلم أمره فيهم . 
* ذكر من قال ذلك : 
16155 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور  قال ، حدثنا معمر  ، عن قتادة   : " ولكن الله سلم   " ، قال : سلم أمره فيهم . * * * 
قال أبو جعفر   : وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس  ، وهو أن الله سلم القوم بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه من الفشل  [ ص: 572 ] والتنازع ، حتى قويت قلوبهم ، واجترأوا على حرب عدوهم . وذلك أن قوله : " ولكن الله سلم   " عقيب قوله : " ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر   " ، فالذي هو أولى بالخبر عنه ، أنه سلمهم منه جل ثناؤه ، ما كان مخوفا منه لو لم ير نبيه صلى الله عليه وسلم من قلة القوم في منامه . * * * 
				
						
						
