القول في تأويل قوله تعالى ( لما بين يديها وما خلفها   )  
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : - 
1154 - حدثنا به أبو كريب  قال ، حدثنا عثمان بن سعيد  قال ، حدثنا بشر بن عمارة  ، عن أبي روق  ، عن الضحاك  ، عن ابن عباس   : ( لما بين يديها ) يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي . ( وما خلفها ) ، يقول : الذين كانوا بقوا معهم . 
1155 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع   : ( لما بين يديها وما خلفها   ) ، لما خلا لهم من الذنوب ، ( وما خلفها ) ، أي عبرة لمن بقي من الناس . 
 [ ص: 178 ] وقال آخرون بما : 
1156 - حدثني ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  قال ، حدثني ابن إسحاق  ، عن  داود بن الحصين  ، عن  عكرمة مولى ابن عباس  قال : قال ابن عباس   : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها   ) ، أي من القرى . 
وقال آخرون بما : - 
1157 - حدثنا به بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قال الله ( فجعلناها نكالا لما بين يديها   ) - من ذنوب القوم - ( وما خلفها ) ، أي للحيتان التي أصابوا  . 
1158 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال ، أخبرنا عبد الرزاق  قال ، أخبرنا معمر  ، عن قتادة  في قوله : ( لما بين يديها ) ، من ذنوبها ، ( وما خلفها ) ، من الحيتان  . 
1159 - حدثني محمد بن عمرو  قال ، حدثنا أبو عاصم  قال ، حدثني عيسى  ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله تعالى : ( لما بين يديها ) ، ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به  . 
1160 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( نكالا لما بين يديها وما خلفها   ) ، يقول : " بين يديها " ، ما مضى من خطاياهم ، ( وما خلفها ) خطاياهم التي هلكوا بها  . 
1161 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  ، مثله - إلا أنه قال : ( وما خلفها ) ، خطيئتهم التي هلكوا بها  . 
وقال آخرون بما : - 
1162 - حدثني به موسى بن هارون  قال ، حدثنا عمرو  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها   ) قال : أما " ما بين يديها " فما سلف من عملهم ، ( وما خلفها ) ، فمن كان بعدهم من الأمم ، أن يعصوا فيصنع الله بهم مثل ذلك  . 
 [ ص: 179 ] وقال آخرون بما : - 
1163 - حدثني به ابن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ، ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها   ) ، يعني الحيتان ، جعلها نكالا " لما بين يديها وما خلفها " ، من الذنوب التي عملوا قبل الحيتان ، وما عملوا بعد الحيتان . فذلك قوله : ( ما بين يديها وما خلفها   )  . 
قال أبو جعفر   : وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية ، ما رواه الضحاك  عن ابن عباس   . وذلك لما وصفنا من أن " الهاء والألف " - في قوله : ( فجعلناها نكالا ) - بأن تكون من ذكر العقوبة والمسخة التي مسخها القوم ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها . من أجل أن الله جل ثناؤه إنما يحذر خلقه بأسه وسطوته ، بذلك يخوفهم . وفي إبانته عز ذكره - بقوله : ( نكالا ) : أنه عنى به العقوبة التي أحلها بالقوم - ما يعلم أنه عنى بقوله : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، فجعلنا عقوبتنا التي أحللناها بهم عقوبة لما بين يديها وما خلفها - دون غيره من المعاني . وإذ كانت " الهاء والألف " - بأن تكون من ذكر المسخة والعقوبة ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها ; فكذلك العائد في قوله : ( لما بين يديها وما خلفها   ) من " الهاء والألف " : أن يكون من ذكر " الهاء والألف " اللتين في قوله : ( فجعلناها ) ، أولى من أن يكون من ذكر غيره . 
فتأويل الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ، فجعلنا عقوبتنا لهم عقوبة لما بين يديها من ذنوبهم السالفة منهم ، بمسخنا إياهم وعقوبتنا لهم - ولما خلف عقوبتنا لهم من أمثال ذنوبهم : أن يعمل بها عامل ،  [ ص: 180 ] فيمسخوا مثل ما مسخوا ، وأن يحل بهم مثل الذي حل بهم ، تحذيرا من الله تعالى ذكره عباده : أن يأتوا من معاصيه مثل الذي أتى الممسوخون ، فيعاقبوا عقوبتهم . 
وأما الذي قال في تأويل ذلك : ( فجعلناها ) ، يعني الحيتان ، عقوبة لما بين يدي الحيتان من ذنوب القوم وما بعدها من ذنوبهم - فإنه أبعد في الانتزاع . وذلك أن الحيتان لم يجر لها ذكر فيقال : ( فجعلناها ) . فإن ظن ظان أن ذلك جائز - وإن لم يكن جرى للحيتان ذكر - لأن العرب قد تكني عن الاسم ولم يجر له ذكر ، فإن ذلك وإن كان كذلك ، فغير جائز أن يترك المفهوم من ظاهر الكتاب - والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل - إلى باطن لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منقول ، ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض . 
وأما تأويل من تأول ذلك : لما بين يديها من القرى وما خلفها ، فينظر إلى تأويل من تأول ذلك : بما بين يدي الحيتان وما خلفها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					