[ ص: 217 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا الآن جئت بالحق   ) 
 قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( قالوا الآن جئت بالحق   ) . فقال بعضهم : معنى ذلك : الآن بينت لنا الحق فتبيناه ، وعرفنا أية بقرة عنيت . وممن قال ذلك قتادة   : 
1272 - حدثنا بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد  ، عن قتادة   : ( قالوا الآن جئت بالحق   ) ، أي الآن بينت لنا  . 
وقال بعضهم : ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن القوم أنهم نسبوا نبي الله موسى  صلوات الله عليه ، إلى أنه لم يكن يأتيهم بالحق في أمر البقرة  قبل ذلك . وممن روي عنه هذا القول عبد الرحمن بن زيد   : 
1273 - حدثني يونس  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، قال ابن زيد   : اضطروا إلى بقرة لا يعلمون على صفتها غيرها ، وهي صفراء ليس فيها سواد ولا بياض ، فقالوا : هذه بقرة فلان : ( الآن جئت بالحق   ) ، وقبل ذلك والله قد جاءهم بالحق . 
قال أبو جعفر   : وأولى التأويلين عندنا بقوله : ( قالوا الآن جئت بالحق   ) ، قول قتادة   . وهو أن تأويله : الآن بينت لنا الحق في أمر البقر ، فعرفنا أيها الواجب علينا ذبحها منها . لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم قد أطاعوه فذبحوها ، بعد  [ ص: 218 ] قيلهم هذا . مع غلظ مئونة ذبحها عليهم ، وثقل أمرها ، فقال : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون   ) ، وإن كانوا قد قالوا - بقولهم : الآن بينت لنا الحق - هراء من القول ، وأتوا خطأ وجهلا من الأمر . وذلك أن نبي الله موسى  صلى الله عليه وسلم كان مبينا لهم - في كل مسألة سألوها إياه ، ورد رادوه في أمر البقر - الحق . وإنما يقال : " الآن بينت لنا الحق " لمن لم يكن مبينا قبل ذلك ، فأما من كان كل قيله - فيما أبان عن الله تعالى ذكره - حقا وبيانا ، فغير جائز أن يقال له في بعض ما أبان عن الله في أمره ونهيه ، وأدى عنه إلى عباده من فرائضه التي أوجبها عليهم : ( الآن جئت بالحق ) ، كأنه لم يكن جاءهم بالحق قبل ذلك ! 
وقد كان بعض من سلف يزعم أن القوم ارتدوا عن دينهم وكفروا بقولهم لموسى   : ( الآن جئت بالحق ) ، ويزعم أنهم نفوا أن يكون موسى  أتاهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك ، وأن ذلك من فعلهم وقيلهم كفر . 
وليس الذي قال من ذلك عندنا كما قال ، لأنهم أذعنوا بالطاعة بذبحها ، وإن كان قيلهم الذي قالوه لموسى  جهلة منهم وهفوة من هفواتهم . 
				
						
						
