القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها  وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم   ) 
قال أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : والذين عملوا السيئات في الدنيا فعصوا الله فيها ، وكفروا به وبرسوله ( جزاء سيئة   ) ، من عمله السيئ الذي عمله في الدنيا ( بمثلها ) ، من عقاب الله في الآخرة ( وترهقهم ذلة   ) ، يقول : وتغشاهم ذلة وهوان ، بعقاب الله إياهم 
( ما لهم من الله من عاصم   ) ، يقول : ما لهم من الله من مانع يمنعهم ، إذا عاقبهم ، يحول بينه وبينهم .  [ ص: 74 ] 
وبنحو الذي قلنا قوله : " وترهقهم ذلة " قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
17646 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية  عن علي  عن ابن عباس  قوله : ( وترهقهم ذلة   ) ، قال : تغشاهم ذلة وشدة . 
واختلف أهل العربية في الرافع ل " جزاء " . 
فقال بعض نحويي الكوفة   : رفع بإضمار " لهم " كأنه قيل : ولهم جزاء السيئة بمثلها ، كما قال : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج   ) [ سورة البقرة : 196 ] والمعنى : فعليه صيام ثلاثة أيام ، قال : وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله : ( وجزاء سيئة بمثلها ) . 
وقال بعض نحويي البصرة   : " الجزاء " مرفوع بالابتداء ، وخبره ( بمثلها ) . قال : ومعنى الكلام : جزاء سيئة مثلها ، وزيدت " الباء " ، كما زيدت في قوله : " بحسبك قول السوء " . 
وقد أنكر ذلك من قوله بعضهم ، فقال : يجوز أن تكون " الباء " في " حسب " [ زائدة ] 
لأن التأويل : إن قلت السوء فهو حسبك فلما لم تدخل في الخبر ، أدخلت في " حسب " ، " بحسبك أن تقوم " : إن قمت فهو حسبك . فإن مدح ما بعد " حسب " أدخلت " الباء " ، فيما بعدها ، كقولك : " حسبك بزيد "  [ ص: 75 ] ولا يجوز " بحسبك زيد   " لأن زيدا  الممدوح ، فليس بتأويل خبر . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يكون " الجزاء " مرفوعا بإضمار ، بمعنى : فلهم جزاء سيئة بمثلها ، لأن الله قال في الآية التي قبلها : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة   ) ، فوصف ما أعد لأوليائه ، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعد الله لأعدائه  ، فأشبه بالكلام أن يقال : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة ، وإذا وجه ذلك إلى هذا المعنى ، كانت الباء صلة للجزاء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					