القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز    ( 66 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره : فلما جاء ثمود  عذابنا "نجينا صالحا والذين آمنوا به معه برحمة منا" ، يقول : بنعمة وفضل من الله ( ومن خزي يومئذ   ) ، يقول : ونجيناهم من هوان ذلك اليوم ، وذله بذلك العذاب ( إن ربك هو القوي   ) ، في بطشه إذا بطش بشيء أهلكه ، كما أهلك ثمود حين بطش بها "العزيز" ، فلا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، بل يغلب كل شيء ويقهره . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
18289 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور ،  عن  [ ص: 374 ] معمر ،  عن قتادة   : ( برحمة منا ومن خزي يومئذ   ) ، قال : نجاه الله برحمة منه ، ونجاه من خزي يومئذ . 
18290 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن أبي بكر بن عبد الله  ، عن  شهر بن حوشب  ، عن عمرو بن خارجة  قال : قلنا له : حدثنا حديث ثمود   . قال : أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود   : كانت ثمود  قوم صالح ،  أعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم ، حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر ، فينهدم ، والرجل منهم حي . فلما رأوا ذلك ، اتخذوا من الجبال بيوتا فرهين ، فنحتوها وجابوها وجوفوها . وكانوا في سعة من معايشهم . فقالوا : يا صالح  ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله ، فدعا صالح ربه ، فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوما ، وشربهم يوما معلوما . فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء وحلبوها لبنا ، ملئوا كل إناء ووعاء وسقاء ، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ، فلم تشرب منه شيئا ، فملئوا كل إناء ووعاء وسقاء . فأوحى الله إلى صالح   : إن قومك سيعقرون ناقتك ! فقال لهم ، فقالوا : ما كنا لنفعل ! فقال : إلا تعقروها أنتم ، يوشك أن يولد فيكم مولود [ يعقرها ] . قالوا : ما علامة ذلك المولود؟ فوالله لا نجده إلا قتلناه ! قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب ، أحمر . قال : وكان في المدينة  شيخان عزيزان منيعان ، لأحدهما ابن يرغب به عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بينهما مجلس ، فقال أحدهما لصاحبه : ما يمنعك أن تزوج ابنك؟ قال : لا أجد له كفؤا . قال : فإن ابنتي كفؤ له ، وأنا أزوجك . . فزوجه ، فولد  [ ص: 375 ] بينهما ذلك المولود . وكان في المدينة  ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح   : "إنما يعقرها مولود فيكم" ، اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهن شرطا كانوا يطوفون في القرية ، فإذا وجدوا المرأة تمخض ، نظروا ما ولدها إن كان غلاما قلبنه فنظرن ما هو وإن كانت جارية أعرضن عنها . فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة وقلن : "هذا الذي يريد رسول الله صالح   " ، فأراد الشرط أن يأخذوه ، فحال جداه بينهم وبينه ، وقالا لو أن صالحا  أراد هذا قتلناه ! فكان شر مولود ، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة . فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وفيهم الشيخان ، فقالوا : "استعمل علينا هذا الغلام " لمنزلته وشرف جديه ، فكانوا تسعة . وكان صالح  لا ينام معهم في القرية ، كان في مسجد يقال له : " مسجد صالح   " ، فيه يبيت بالليل ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه" . 
قال حجاج   : وقال  ابن جريج   : لما قال لهم صالح   : "إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه" ، قالوا : فكيف تأمرنا؟ قال : آمركم بقتلهم ! فقتلوهم إلا واحدا . قال : فلما بلغ ذلك المولود ، قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا ، لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالح ! فأتمروا بينهم بقتله ، وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا ، فنرصده عند مصلاه فنقتله ، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون ، كما نحن ! فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم ، فأصبحوا رضخا . فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم ، فإذا هم رضخ ، فرجعوا  [ ص: 376 ] يصيحون في القرية : أي عباد الله ، أما رضي صالح  أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم؟ ! فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة  أجمعون ، وأحجموا عنها إلا ذلك الابن العاشر . 
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وأرادوا أن يمكروا بصالح ،  فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح ،  فاختبأ فيه ثمانية ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله ، فبيتناهم ! فأمر الله الأرض فاستوت عنهم . قال : فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقي لأحدهم : ائتها فاعقرها ! فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فأضرب عن ذلك ، فبعث آخر فأعظم ذلك . فجعل لا يبعث رجلا إلا تعاظمه أمرها ، حتى مشوا إليها ، وتطاول فضرب عرقوبيها ، فوقعت تركض ، وأتى رجل منهم صالحا  فقال : "أدرك الناقة فقد عقرت "! فأقبل ، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه : "يا نبي الله ، إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا"! قال : فانظروا هل تدركون فصيلها؟ ، فإن أدركتموه ، فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب ! فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب ، أتى جبلا يقال له " القارة   " قصيرا ، فصعد وذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل ، فطال في السماء حتى ما تناله الطير . قال : ودخل صالح  القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحا  فرغا رغوة ، ثم رغا أخرى ، ثم رغا أخرى ، فقال صالح  لقومه : لكل رغوة أجل يوم ، ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب   ) ، ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ! فلما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طليت بالخلوق ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : "ألا قد مضى يوم من الأجل ، وحضركم العذاب " ! فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة ، [ ص: 377 ] كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم : "ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب " ! فلما أصبحوا اليوم الثالث ، فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعا : "ألا قد حضركم العذاب" ! فتكفنوا وتحنطوا ، وكان حنوطهم الصبر والمقر ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض ، فجعلوا يقلبون أبصارهم ، فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة ، فلا يدرون من حيث يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تحت أرجلهم من الأرض ، جشعا وفرقا . فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم ، فأصبحوا في دارهم جاثمين .  [ ص: 378 ] 
18291 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة ، أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله ، منعه حرم الله من عذاب الله . قيل : ومن هو يا رسول الله؟ قال : أبو رغال   . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين أتى على قرية ثمود  ، لأصحابه : لا يدخلن أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائهم . وأراهم مرتقى الفصيل حين ارتقى في القارة  . 
قال  ابن جريج ،  وأخبرني  موسى بن عقبة ،  عن  عبد الله بن دينار ،  عن ابن عمر   : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتى على قرية ثمود  قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم ما أصابهم . 
قال  ابن جريج ،  قال  جابر بن عبد الله   : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى على الحجر ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح  سألوا رسولهم الآية ، فبعث لهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج ، وتصدر من هذا الفج ، فتشرب ماءهم يوم ورودها  .  [ ص: 379 ] 
18292 - حدثنا بشر  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما مر بوادي ثمود ،  وهو عامد إلى تبوك  قال : فأمر أصحابه أن يسرعوا السير ، وأن لا ينزلوا به ، ولا يشربوا من مائه ، وأخبرهم أنه واد ملعون . قال : وذكر لنا أن الرجل الموسر من قوم صالح  كان يعطي المعسر منهم ما يتكفنون به ، وكان الرجل منهم يلحد لنفسه ولأهل بيته ، لميعاد نبي الله صالح  الذي وعدهم  . وحدث من رآهم بالطرق والأفنية والبيوت ، فيهم شبان وشيوخ ، أبقاهم الله عبرة وآية . 
18293 - حدثنا إسماعيل بن المتوكل الأشجعي  من أهل حمص  قال ، حدثنا محمد بن كثير  قال ، حدثنا عبد الله بن واقد ،  عن عبد الله بن عثمان بن خثيم  قال ، حدثنا أبو الطفيل ،  قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة تبوك ، نزل الحجر فقال : يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح  سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية ، فبعث الله لهم الناقة آية ، فكانت تلج عليهم يوم [ ورودها من هذا الفج ، فتشرب ماءهم ، ويوم وردهم كانوا يتزودون منه ] ، ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتزودون من مائهم قبل ذلك لبنا ، ثم تخرج من ذلك الفج . فعتوا عن أمر ربهم وعقروها ، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعدا من الله غير مكذوب ، فأهلك الله من كان  [ ص: 380 ] منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا ، كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله . قالوا : ومن ذلك الرجل يا رسول الله؟ قال : أبو رغال   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					