القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون    ( 15 ) ) 
قال أبو جعفر   : وفي الكلام متروك حذف ذكره ، اكتفاء بما ظهر عما ترك ، وهو" : فأرسله معهم" ، ( فلما ذهبوا به وأجمعوا   ) ، يقول : وأجمع رأيهم ، وعزموا على ( أن يجعلوه في غيابة الجب   ) . كما : -  [ ص: 574 ] 
18831 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا عمرو بن محمد  ، عن أسباط  ، عن  السدي  ، قوله : ( إني ليحزنني أن تذهبوا به   ) ، الآية ، قال ، قال : لن أرسله معكم ، إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ( قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون   ) ، فأرسله معهم ، فأخرجوه وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه ، فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه! يا يعقوب   ! لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ! فلما كادوا يقتلونه ، قال يهوذا  أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر . 
فربطوا يديه ، ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه! ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب ! فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك ! قال : إني لم أر شيئا ، فدلوه في البئر ، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت . وكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها . قال : فلما ألقوه في البئر ، جعل يبكي ، فنادوه ، فظن أنها رحمة أدركتهم ، فلباهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فقام يهوذا  فمنعهم ، وقال : قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا  يأتيه بالطعام  . 
وقوله : ( فلما ذهبوا به وأجمعوا   ) فأدخلت "الواو" في الجواب ، كما قال امرؤ القيس   :  [ ص: 575 ] 
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل 
فأدخل الواو في جواب"لما" ، وإنما الكلام : فلما أجزنا ساحة الحي ، انتحى بنا ، وكذلك : ( فلما ذهبوا وأجمعوا   ) ، لأن قوله : "أجمعوا" هو الجواب . 
وقوله : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم   ) ، يقول : وأوحينا إلى يوسف  لتخبرن إخوتك ( بأمرهم هذا   ) يقول : بفعلهم هذا الذي فعلوه بك ( وهم لا يشعرون   ) يقول : وهم لا . يعلمون ولا يدرون . 
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عز وجل بقوله : ( وهم لا يشعرون   ) . 
فقال بعضهم : عنى بذلك : أن الله أوحى إلى يوسف  أن يوسف  سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه : من إلقائه في الجب ، وبيعهم إياه ، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم ، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
18832 - حدثني محمد بن عمرو  قال ، حدثنا أبو عاصم  قال ، حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد :   ( وأوحينا إليه   ) إلى يوسف   . 
18833 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد :   ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا   ) قال : أوحينا إلى يوسف   : لتنبئن إخوتك  . 
18834 - . . . قال ، حدثنا إسحاق  قال ، حدثنا عبد الله  ، عن ورقاء  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، في قوله : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   )  [ ص: 576 ] قال : أوحي إلى يوسف  وهو في الجب أن سينبئهم بما صنعوا ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي 
18835 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  قال ، قال مجاهد :   ( وأوحينا إليه   ) ، قال : إلى يوسف   . 
وقال آخرون : معنى ذلك : وأوحينا إلى يوسف  بما إخوته صانعون به ، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
18836 - حدثنا بشر  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة  ، قوله : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   ) ، بما أطلع الله عليه يوسف من أمرهم ، وهو في البئر  . 
18837 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  ، قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   ) ، قال : أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به ، وهم لا يشعرون بذلك الوحي  . 
18838 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا سويد  ، قال : أخبرنا ابن المبارك  ، عن معمر  ، عن قتادة ،  بنحوه إلا أنه قال : أن سينبئهم  . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن يوسف  سينبئهم بصنيعهم به ، وهم لا يشعرون أنه يوسف   . 
ذكر من قال ذلك : 
18839 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قوله : ( وهم لا يشعرون   ) يقول : وهم لا يشعرون أنه يوسف . 
18840 - حدثني الحارث  قال ، حدثنا عبد العزيز  قال ، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي ،  عن أبيه ، قال : سمعت ابن عباس  يقول : لما دخل إخوة  [ ص: 577 ] يوسف  فعرفهم وهم له منكرون ، قال : جيء بالصواع ، فوضعه على يده ، ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ،  يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب! قال : ثم نقره فطن فأتيتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله ، وجئتم على قميصه بدم كذب! قال : فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس   : فلا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم : ( لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون   )  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					