القول في تأويل قوله تعالى : ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا    ( 2 ) إذ نادى ربه نداء خفيا   ( 3 ) قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا   ( 4 ) ) 
اختلف أهل العربية في الرافع للذكر ، والناصب للعبد ، فقال بعض نحويي البصرة في معنى ذلك كأنه قال : مما نقص عليك ذكر رحمة ربك عبده ، وانتصب العبد بالرحمة كما تقول : ذكر ضرب زيد عمرا . وقال بعض نحويي الكوفة   : رفعت الذكر بكهيعص ، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربك ، قال : والمعنى ذكر ربك عبده برحمته تقديم وتأخير . 
قال أبو جعفر   : والقول الذي هو الصواب عندي في ذلك أن يقال : الذكر مرفوع بمضمر محذوف ، وهو هذا كما فعل ذلك في غيرها من السور ، وذلك كقول الله : ( براءة من الله ورسوله   ) وكقوله : ( سورة أنزلناها   ) ونحو ذلك . والعبد منصوب بالرحمة ، وزكريا  في موضع نصب ، لأنه بيان عن العبد ، فتأويل الكلام : هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا   . 
وقوله : ( إذ نادى ربه نداء خفيا   ) يقول حين دعا ربه ، وسأله بنداء خفي ، يعنى : وهو مستسر بدعائه ومسألته إياه ما سأل ، كراهة منه للرياء . 
كما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( إذ نادى ربه نداء خفيا   ) أي سرا ، وإن الله يعلم القلب النقي ، ويسمع الصوت الخفي  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،   [ ص: 143 ] قوله ( إذ نادى ربه نداء خفيا   ) قال : لا يريد رياء  . 
حدثنا موسى بن هارون ،  قال : ثنا عمرو بن حماد ،  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي ،  قال : رغب زكريا  في الولد ، فقام فصلى ، ثم دعا ربه سرا ، فقال : ( رب إني وهن العظم مني   ) . . . . إلى ( واجعله رب رضيا   ) وقوله : ( قال رب إني وهن العظم مني   ) يقول تعالى ذكره ، فكان نداؤه الخفي الذي نادى به ربه أن قال : ( رب إني وهن العظم مني   ) يعني بقوله ( وهن ) ضعف ورق من الكبر  . 
كما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( قال رب إني وهن العظم مني   ) أي ضعف العظم مني  . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا الثوري ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( وهن العظم مني   ) قال : نحل العظم  . قال عبد الرزاق ،  قال : الثوري   : وبلغني أن زكريا  كان ابن سبعين سنة . 
وقد اختلف أهل العربية في وجه النصب في الشيب ، فقال بعض نحويي البصرة   : نصب على المصدر من معنى الكلام ، كأنه حين قال : اشتعل ، قال : شاب ، فقال : شيبا على المصدر . قال : وليس هو في معنى : تفقأت شحما وامتلأت ماء ، لأن ذلك ليس بمصدر . وقال غيره : نصب الشيب على التفسير ، لأنه يقال : اشتعل شيب رأسي ، واشتعل رأسي شيبا ، كما يقال : تفقأت شحما ، وتفقأ شحمي . 
وقوله : ( ولم أكن بدعائك رب شقيا   ) يقول : ولم أشق يا رب بدعائك ، لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك ، بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك . 
كما حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج  عن  ابن جريج ،  قوله : ( ولم أكن بدعائك رب شقيا   ) يقول : قد كنت تعرفني الإجابة فيما مضى  . 
				
						
						
