القول في تأويل قوله تعالى : ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى    ( 80 ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي   ) 
يقول تعالى ذكره : فلما نجا موسى  بقومه من البحر ، وغشي فرعون  قومه من اليم ما غشيهم ، قلنا لقوم موسى  يابني إسرائيل  قد أنجيناكم من عدوكم فرعون وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى وقد ذكرنا كيف كانت مواعدة الله موسى  وقومه جانب الطور  الأيمن ، وقد بينا المن والسلوى باختلاف المختلفين فيهما ، وذكرنا الشواهد على الصواب من القول في  [ ص: 346 ] ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( قد أنجيناكم   ) فكانت عامة قراء المدينة  والبصرة  يقرءونه ( قد أنجيناكم   ) بالنون والألف وسائر الحروف الأخرى معه كذلك ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة   ( قد أنجيتكم ) بالتاء ، وكذلك سائر الحروف الأخر ، إلى قوله ( ونزلنا عليكم المن والسلوى   ) فإنهم وافقوا الآخرين في ذلك وقرءوه بالنون والألف . 
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان باتفاق المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ ذلك فمصيب . 
وقوله ( كلوا من طيبات ما رزقناكم   ) يقول تعالى ذكره لهم : كلوا يا بني إسرائيل  من شهيات رزقنا الذي رزقناكم ، وحلاله الذي طيبناه لكم ( ولا تطغوا فيه   ) يقول : ولا تعتدوا فيه ، ولا يظلم فيه بعضكم بعضا . كما حدثنا علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  عن علي  عن ابن عباس  قوله : ( ولا تطغوا فيه   ) يقول : ولا تظلموا  . 
وقوله ( فيحل عليكم غضبي   ) يقول : فينزل عليكم عقوبتي . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  عن قتادة  قوله ( فيحل عليكم غضبي   ) يقول : فينزل عليكم غضبي  . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز  والمدينة  والبصرة  والكوفة   ( فيحل عليكم   ) بكسر الحاء ( ومن يحلل   ) بكسر اللام ، ووجهوا معناه إلى : فيجب عليكم غضبي ، وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة   ( فيحل عليكم   ) بضم الحاء ، ووجهوا تأويله إلى ما ذكرنا عن قتادة  من أنه فيقع وينزل عليكم غضبي . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، وقد حذر الله الذين قيل لهم هذا القول من بني إسرائيل  وقوع بأسه بهم ونزوله بمعصيتهم إياه إن هم عصوه ، وخوفهم وجوبه لهم ، فسواء قرئ ذلك بالوقوع أو بالوجوب ، لأنهم كانوا قد خوفوا المعنيين كليهما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					