القول في تأويل قوله تعالى : ( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون    ( 64 ) ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون   ( 65 ) ) 
يقول تعالى ذكره : فذكروا حين قال لهم إبراهيم  صلوات الله عليه ( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون   ) في أنفسهم ورجعوا إلى عقولهم ، ونظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : إنكم معشر القوم الظالمون هذا الرجل في مسألتكم إياه وقيلكم له من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم ،  وهذه آلهتكم التي فعل بها ما فعل حاضرتكم فاسألوها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة  عن ابن إسحاق   ( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون   ) قال : أرعووا ورجعوا عنه يعني عن إبراهيم ،  فيما ادعوا عليه من كسرهن إلى أنفسهم فيما بينهم ، فقالوا : لقد ظلمناه وما نراه إلا كما قال . 
حدثنا القاسم  قال : ثنا الحسين  قال : ثني حجاج  عن  ابن جريج   ( فرجعوا إلى أنفسهم   ) قال : نظر بعضهم إلى بعض ( فقالوا إنكم أنتم الظالمون   ) . 
وقوله ( ثم نكسوا على رءوسهم   ) يقول جل ثناؤه : ثم غلبوا في الحجة ، فاحتجوا على إبراهيم  بما هو حجة لإبراهيم  عليهم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء الأصنام ينطقون . 
كما حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة  عن ابن إسحاق  قال : ثم قالوا :  [ ص: 463 ] يعني قوم إبراهيم ،  وعرفوا أنها ، يعني آلهتهم لا تضر ولا تنفع ولا تبطش : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون   ) : أي لا تتكلم فتخبرنا من صنع هذا بها ، وما تبطش بالأيدي فنصدقك ، يقول الله ( ثم نكسوا على رءوسهم   ) في الحجة عليهم لإبراهيم  حين جادلهم ، فقال عند ذلك إبراهيم  حين ظهرت الحجة عليهم بقولهم : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون   ) . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  عن قتادة  قال الله ( ثم نكسوا على رءوسهم   ) أدركت الناس حيرة سوء  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم نكسوا في الفتنة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني موسى  قال : ثنا عمرو  قال : ثنا أسباط  عن  السدي   ( ثم نكسوا على رءوسهم   ) قال : نكسوا في الفتنة على رءوسهم ، فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون  . 
وقال بعض أهل العربية : معنى ذلك : ثم رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ،  فقالوا : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . 
وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك ، لأن نكس الشيء على رأسه : قلبه على رأسه وتصيير أعلاه أسفله; ومعلوم أن القوم لم يقلبوا على رءوس أنفسهم ، وأنهم إنما نكست حجتهم ، فأقيم الخبر عنهم مقام الخبر عن حجتهم ، وإذ كان ذلك كذلك ، فنكس الحجة لا شك إنما هو احتجاج المحتج على خصمه بما هو حجة لخصمه ، وأما قول  السدي   : ثم نكسوا في الفتنة ، فإنهم لم يكونوا خرجوا من الفتنة قبل ذلك فنكسوا فيها . وأما قول من قال من أهل العربية ما ذكرنا عنه ، فقول بعيد من الفهوم ، لأنهم لو كانوا رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم ،  ما احتجوا عليه بما هو حجة له ، بل كانوا يقولون له : لا تسألهم ، ولكن نسألك فأخبرنا من فعل ذلك بها ، وقد سمعنا أنك فعلت ذلك ، ولكن صدقوا القول ( فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون   ) وليس ذلك رجوعا عما كانوا عرفوا ، بل هو إقرار به . 
				
						
						
