[ ص: 96 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين    ( 3 ) ) 
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا من أهل الشرك ، وكن أصحاب رايات ، يكرين أنفسهن ، فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين ، فقال : الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة ، لأنهن كذلك ; والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان من المؤمنين أو المشركين أو مشرك مثلها ، لأنهن كن مشركات . 
( وحرم ذلك على المؤمنين    ) فحرم الله نكاحهن في قول أهل هذه المقالة بهذه الآية . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا المعتمر ،  عن أبيه ، قال : ثني الحضرمي ،  عن  القاسم بن محمد ،  عن عبد الله بن عمرو    : أن رجلا من المسلمين استأذن نبي الله في امرأة يقال لها أم مهزول ،  كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق عليه ، وأنه استأذن فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر له أمرها ، قال : فقرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) أو قال : فأنزلت ( الزانية   ) . 
حدثني يعقوب بن إبراهيم ،  قال : ثني هشيم ،  عن التيمي ،  عن  القاسم بن محمد ،  عن عبد الله بن عمرو  في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : كن نساء معلومات ، قال : فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه ، فنهاهم الله عن ذلك   . 
قال : أخبرنا سليمان التيمي ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : كن نساء موارد بالمدينة    . 
حدثنا  أحمد بن المقدام ،  قال : ثنا المعتمر ،  قال : سمعت أبي ، قال : ثنا قتادة ،  عن  سعيد بن المسيب  في هذه الآية : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : نزلت في نساء موارد كن بالمدينة   . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا  عمرو بن عاصم الكلابي ،  قال : ثنا معتمر ،  عن أبيه ، عن قتادة ،  عن سعيد ،  بنحوه . 
 [ ص: 97 ] حدثنا  محمد بن المثنى ،  قال : ثنا عبد الأعلى ،  قال : ثنا داود ،  عن رجل ، عن عمرو بن سعيد  قال : كان لمرثد  صديقة في الجاهلية يقال لها عناق ،  وكان رجلا شديدا ، وكان يقال له دلدل ،  وكان يأتي مكة  فيحمل ضعفة المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقي صديقته ، فدعته إلى نفسها ، فقال : إن الله قد حرم الزنا ، فقالت : أنى تبرز ، فخشي أن تشيع عليه ، فرجع إلى المدينة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كانت لي صديقة في الجاهلية ، فهل ترى لي نكاحها؟ قال : فأنزل الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : كن نساء معلومات يدعون : القيلقيات . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن إبراهيم بن مهاجر ،  قال : سمعت  مجاهدا  يقول في هذه الآية : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قال : كن بغايا في الجاهلية   . 
حدثني يعقوب بن إبراهيم ،  قال : ثنا هشيم ،  عن عبد الملك ،  عمن أخبره ، عن مجاهد ،  نحوا من حديث  ابن المثنى ،  إلا أنه قال : كانت امرأة منهن يقال لها : أم مهزول    ; يعني في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قال : فكن نساء معلومات ، قال : فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه ، فنهاهم الله عن ذلك . هذا في حديث التيمي    . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى    ; وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قول الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية    ) قال : رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوان بغايا متعالمات ، كن في الجاهلية ، فقيل لهم هذا حرام ، فأرادوا نكاحهن ، فحرم الله عليهم نكاحهن   . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  بنحوه ، إلا أنه قال : بغايا معلنات ، كن كذلك في الجاهلية . 
حدثنا ابن وكيع ،  قال : ثنا أبي ، عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه وإسماعيل بن   [ ص: 98 ] أبي خالد ،  عن الشعبي   وابن أبي ذئب ،  عن شعبة ،  عن ابن عباس ،  قال : كن بغايا في الجاهلية ، على أبوابهن رايات مثل رايات البيطار يعرفن بها . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  عن قيس بن سعد ،  عن عطاء بن أبي رباح ،  عن ابن عباس ،  قال : نساء بغايا متعالمات ، حرم الله نكاحهن ، لا ينكحهن إلا زان من المؤمنين ، أو مشرك من المشركين . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين    ) قال : كانت بيوت تسمى المواخير في الجاهلية ، وكانوا يؤاجرون فيها فتياتهن ، وكانت بيوتا معلومة للزنا ، لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان ، فحرم الله ذلك على المؤمنين   . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن  ابن جريج ،  عن عطاء ،  في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : بغايا متعالمات كن في الجاهلية ، بغي آل فلان وبغي آل فلان ، فأنزل الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين    ) فحكم الله بذلك من أمر الجاهلية على الإسلام . فقال له  سليمان بن موسى    : أبلغك ذلك عن ابن عباس؟  فقال : نعم   . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  قال : سمعت عطاء بن أبي رباح  يقول في ذلك : كن بغايا متعالمات ، بغي آل فلان وبغي آل فلان ، وكن زواني مشركات ، فقال : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين    ) قال : أحكم الله من أمر الجاهلية بهذا . قيل له : أبلغك هذا عن ابن عباس؟  قال : نعم . 
قال  ابن جريج    : وقال عكرمة    : إنه كان يسمي تسعا بعد صواحب الرايات ، وكن أكثر من ذلك ، ولكن هؤلاء أصحاب الرايات : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ،  وأم عليط جارية صفوان بن أمية ،  وحنة القبطية جارية العاصي بن وائل ،  ومرية جارية مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار ،  وحلالة جارية سهيل بن عمرو ،  وأم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ،  وسريفة جارية زمعة بن الأسود ،  وفرسة   [ ص: 99 ] جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لؤي ،  وقريبا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر    . 
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا محمد بن ثور ،  عن معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  وقال الزهري  وقتادة ،  قالوا : كان في الجاهلية بغايا معلوم ذلك منهن ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ، فأنزل الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) . . الآية . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  وقاله الزهري  وقتادة ،  قالوا : كانوا في الجاهلية بغايا ، ثم ذكر نحوه . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن القاسم بن أبي بزة    : كان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية التي قد علم ذلك منها يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فنهوا عن ذلك   . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  قال : قال القاسم بن أبي بزة ،  فذكر نحوه . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا سليمان التيمي ،  عن  سعيد بن المسيب  ، قال : كن نساء موارد بالمدينة . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن إدريس ،  قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ،  عن سعيد بن جبير    : أن نساء في الجاهلية كن يؤاجرن أنفسهن ، وكان الرجل إنما ينكح إحداهن يريد أن يصيب منها عرضا ، فنهوا عن ذلك ، ونزل : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) ومنهن امرأة يقال لها : أم مهزول    . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا جابر بن نوح ،  عن إسماعيل ،  عن الشعبي ،  في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : كن نساء يكرين أنفسهن في الجاهلية   . 
وقال آخرون : معنى ذلك : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك . قالوا : ومعنى النكاح في هذا الموضع : الجماع . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا هناد ،  قال : ثنا أبو الأحوص  ، عن حصين ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،   [ ص: 100 ] في قول الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قال : لا يزني إلا بزانية أو مشركة   . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن يعلى بن مسلم ،  عن سعيد بن جبير  أنه قال في هذه الآية : ( والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : لا يزني الزاني إلا بزانية مثله أو مشركة   . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن ابن شبرمة ،  عن سعيد بن جبير  وعكرمة  في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قالا هو الوطء   . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا محمد ،  عن معمر ،  قال : قال سعيد بن جبير  ومجاهد    : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قالا هو الوطء   . 
حدثنا ابن وكيع ،  قال : ثنا أبي عن سلمة بن نبيط ،  عن الضحاك بن مزاحم  وشعبة ،  عن يعلى بن مسلم ،  عن سعيد بن جبير ،  قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قالا لا يزني الزاني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة ، ولا تزني مشركة إلا بمثلها   . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قول الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : هؤلاء بغايا كن في الجاهلية ، والنكاح في كتاب الله الإصابة ، لا يصيبها إلا زان أو مشرك ، لا يحرم الزنا ، ولا تصيب هي إلا مثلها   . 
قال : وكان ابن عباس  يقول : بغايا كن في الجاهلية . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن قيس بن سعد ،  عن سعيد بن جبير ،  قال : إذا زنى بها فهو زان . 
حدثنا علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثنا معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قال : الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله أو مشركة ، قال : والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة . ثم قال : ( وحرم ذلك على المؤمنين    ) . 
وقال آخرون : كان هذا حكم الله في كل زان وزانية ، حتى نسخه بقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم    ) ، فأحل نكاح كل مسلمة وإنكاح كل مسلم . 
 [ ص: 101 ] ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  سعيد بن المسيب ،  في قوله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين    ) قال : يرون الآية التي بعدها نسختها : ( وأنكحوا الأيامى منكم    ) قال : فهن من أيامى المسلمين   . 
حدثنا القاسم ،  قال ثنا الحسين  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  قال : أخبرني يحيى بن سعيد ،  عن  سعيد بن المسيب    ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك    ) قال : نسختها التي بعدها : ( وأنكحوا الأيامى منكم    ) وقال : إنهن من أيامى المسلمين   . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  قال : وذكر عن يحيى ،  عن ابن المسيب ،  قال : نسختها : ( وأنكحوا الأيامى منكم    ) . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : نسختها قوله : ( وأنكحوا الأيامى    ) . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا أنس بن عياض ،  عن يحيى ،  قال : ذكر عند  سعيد بن المسيب    : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) قال : فسمعته يقول : إنها قد نسختها التي بعدها ، ثم قرأها سعيد ،  قال : يقول الله : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    ) ثم يقول الله : ( وأنكحوا الأيامى منكم    ) فهن من أيامى المسلمين   . 
قال أبو جعفر    : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عنى بالنكاح في هذا الموضع الوطء ، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات ; وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك ، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان ، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك ، أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات ، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة ، وإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن معنى الآية : الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا أو بمشركة تستحله . 
وقوله : ( وحرم ذلك على المؤمنين    ) يقول : وحرم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله ، وذلك هو النكاح الذي قال جل ثناؤه : ( الزاني لا ينكح إلا زانية    ) 
 [ ص: 102 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					