القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا    ( 25 ) الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا   ( 26 ) ) 
اختلف القراء في قراءة قوله ( تشقق ) فقرأته عامة قراء الحجاز   ( ويوم تشقق ) بتشديد الشين بمعنى : تتشقق ، فأدغموا إحدى التاءين في الشين فشددوها ، كما قال : ( لا يسمعون إلى الملأ الأعلى   ) 
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة    : ( ويوم تشقق   ) بتخفيف الشين والاجتزاء بإحدى التاءين من الأخرى . 
والقول في ذلك عندي : أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام : ويوم تشقق السماء عن الغمام . وقيل : إن ذلك غمام أبيض مثل الغمام الذي ظلل على بني إسرائيل  ، وجعلت الباء ، في قوله : ( بالغمام   ) مكان " عن " كما تقول : رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس ، بمعنى واحد . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  ، قوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام   ) قال : هو الذي قال : ( في ظلل من الغمام   ) الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن في تلك قط إلا لبني إسرائيل   . قال  ابن جريج   : الغمام الذي يأتي الله فيه غمام زعموا في الجنة  . 
قال : ثنا الحسين  ، قال : ثنا معتمر بن سليمان  ، عن عبد الجليل  ، عن أبي حازم ،  عن عبد الله بن عمرو  قال : يهبط الله حين يهبط ، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا ، منها النور والظلمة والماء ، فيصوت الماء صوتا تنخلع له القلوب  . 
 [ ص: 261 ] قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن عكرمة  في قوله : ( يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة   ) يقول : والملائكة حوله . 
قال : ثني حجاج  ، عن  مبارك بن فضالة  ، عن  علي بن زيد بن جدعان  ، عن يوسف بن مهران  ، أنه سمع ابن عباس  يقول : إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس ، وهو يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ، فيقول أهل الأرض : جاء ربنا ، فيقولون : لم يجئ وهو آت ، ثم تتشقق السماء الثانية ، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة ، فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السماوات ومن الجن والإنس . قال : فتنزل الملائكة الكروبيون ، ثم يأتي ربنا تبارك وتعالى في حملة العرش الثمانية ، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة ، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة ، قال : وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه ، وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول : سبحان الملك القدوس ، وعلى رءوسهم شيء مبسوط كأنه القباء ، والعرش فوق ذلك ، ثم وقف  . 
قال : ثنا الحسن  ، قال : ثنا جعفر بن سليمان  ، عن هارون بن وثاب  ، عن  شهر بن حوشب  ، قال : حملة العرش ثمانية ، فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك  . 
قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن أبي بكر بن عبد الله  ، قال : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم فوقهم شخصت إليه أبصارهم ، ورجفت كلاهم في أجوافهم ، قال : وطارت قلوبهم من مقرها في صدورهم إلى حناجرهم  . 
حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  ، قوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا   ) يعني يوم القيامة حين تشقق السماء بالغمام ، وتنزل الملائكة تنزيلا . 
وقوله : ( ونزل الملائكة تنزيلا   ) يقول : ونزل الملائكة إلى الأرض تنزيلا ( الملك يومئذ الحق للرحمن   ) يقول : الملك الحق يومئذ خالص للرحمن دون كل من سواه ، وبطلت الممالك يومئذ سوى ملكه . وقد كان في الدنيا ملوك ، فبطل الملك يومئذ سوى ملك الجبار ( وكان يوما على الكافرين عسيرا   ) يقول : وكان يوم تشقق السماء بالغمام  [ ص: 262 ] يوما على أهل الكفر بالله عسيرا ، يعني صعبا شديدا  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					