القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب    ) 
قال أبو جعفر   : ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتابين تنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم لبعض . . . 
ذكر من قال ذلك : 
1811 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  ، وحدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  يونس بن بكير  ، قالا جميعا - حدثنا محمد بن إسحاق  قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت  قال : حدثني سعيد بن جبير  أو عكرمة  ، عن ابن عباس  قال ، لما قدم أهل نجران  من النصارى  على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة   :  [ ص: 514 ] ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى ابن مريم  وبالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران  من النصارى   : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى  وكفر بالتوراة . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء   ) ، إلى قوله : ( فيما كانوا فيه يختلفون   ) 
1812 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع  قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء   ) ، قال : هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . 
قال أبو جعفر   : وأما تأويل الآية ، فإن قالت اليهود   : ليست النصارى  في دينها على صواب! ، وقالت النصارى   : ليست اليهود  في دينها على صواب! وإنما أخبر الله عنهم بقيلهم ذلك للمؤمنين ، إعلاما ، منه لهم بتضييع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته وبأنه من عند الله ، وجحودهم مع ذلك ما أنزل الله فيه من فروضه ، لأن الإنجيل الذي تدين بصحته وحقيته النصارى  ، يحقق ما في التوراة من نبوة موسى  عليه السلام ، وما فرض الله على بني إسرائيل فيها من الفرائض ، وأن التوراة التي تدين بصحتها وحقيتها اليهود  تحقق نبوة عيسى  عليه السلام ، وما جاء به من الله من الأحكام والفرائض . 
ثم قال كل فريق منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم في قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء   ) ، مع تلاوة كل واحد من الفريقين كتابه الذي يشهد على كذبه في قيله ذلك ، فأخبر - جل ثناؤه - أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك ، على علم منهم أنهم فيما قالوه مبطلون ; وأتوا ما أتوا من كفرهم بما كفروا به على معرفة منهم بأنهم فيه ملحدون .  [ ص: 515 ] 
فإن قال لنا قائل : أوكانت اليهود  والنصارى  بعد أن بعث الله رسوله على شيء ، فيكون الفريق القائل منهم ذلك للفريق الآخر مبطلا في قيله ما قال من ذلك؟ 
قيل : قد روينا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس  قبل ، من أن إنكار كل فريق منهم ، إنما كان إنكارا لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي ينتحل التصديق به ، وبما جاء به الفريق الآخر ، لا دفعا منهم أن يكون الفريق الآخر في الحال التي بعث الله فيها نبينا صلى الله عليه وسلم على شيء من دينه ، بسبب جحوده نبوة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم . وكيف يجوز أن يكون معنى ذلك إنكار كل فريق منهم أن يكون الفريق الآخر على شيء بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكلا الفريقين كان جاحدا نبوة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم في الحال التي أنزل الله فيها هذه الآية؟ ولكن معنى ذلك : وقالت اليهود   : ليست النصارى  على شيء من دينها منذ دانت دينها ، وقالت النصارى   : ليست اليهود  على شيء منذ دانت دينها . وذلك هو معنى الخبر الذي رويناه عن ابن عباس  آنفا ، فكذب الله الفريقين في قيلهما ما قالا . كما : - 
1813 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء   ) ، قال : بلى ! قد كانت أوائل النصارى  على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ، وقالت النصارى   : ( ليست اليهود على شيء   ) ، ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا . 
1814 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج   : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء   ) ، قال : قال مجاهد   : قد كانت أوائل اليهود  والنصارى  على شيء . 
وأما قوله : ( وهم يتلون الكتاب   ) ، فإنه يعني به كتاب الله التوراة والإنجيل ،  [ ص: 516 ] وهما شاهدان على فريقي اليهود  والنصارى  بالكفر ، وخلافهم أمر الله الذي أمرهم به فيه . كما : - 
1815 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  يونس بن بكير   - وحدثنا ابن حميد  قال : حدثنا  سلمة بن الفضل   - قالا جميعا ، حدثنا ابن إسحاق  قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت  قال : حدثني سعيد بن جبير  أو عكرمة  ، عن ابن عباس  في قوله : ( وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم   ) ، أي : كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به : أي يكفر اليهود  بعيسى  وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق على لسان موسى  بالتصديق بعيسى  عليه السلام ، وفي الإنجيل مما جاء به عيسى  تصديق موسى  ، وما جاء به من التوراة من عند الله ; وكل يكفر بما في يد صاحبه  . 
				
						
						
