[ ص: 403 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون    ( 208 ) ذكرى وما كنا ظالمين   ( 209 ) وما تنزلت به الشياطين   ( 210 ) وما ينبغي لهم وما يستطيعون   ( 211 ) إنهم عن السمع لمعزولون   ( 212 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( وما أهلكنا من قرية   ) من هذه القرى التي وصفت في هذه السور ( إلا لها منذرون   ) يقول : إلا بعد إرسالنا إليهم رسلا ينذرونهم بأسنا على كفرهم وسخطنا عليهم . ( ذكرى ) يقول : إلا لها منذرون ينذرونهم ، تذكرة لهم وتنبيها لهم على ما فيه النجاة لهم من عذابنا . ففي الذكرى وجهان من الإعراب : أحدهما النصب على المصدر من الإنذار على ما بينت ، والآخر : الرفع على الابتداء كأنه قيل : ذكرى . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد   : ( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى   ) قال : الرسل . قال  ابن جريج   : وقوله : ( ذكرى ) قال : الرسل . 
قوله : ( وما كنا ظالمين   ) يقول : وما كنا ظالميهم في تعذيبناهم وإهلاكهم ، لأنا إنما أهلكناهم ، إذ عتوا علينا ، وكفروا نعمتنا ، وعبدوا غيرنا بعد الإعذار عليهم والإنذار ، ومتابعة الحجج عليهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه ، فأبوا إلا التمادي في الغي . 
وقوله : ( وما تنزلت به الشياطين   ) يقول تعالى ذكره : وما تنزلت بهذا القرآن الشياطين على محمد  ، ولكنه ينزل به الروح الأمين . ( وما ينبغي لهم   ) يقول : وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به عليه ، ولا يصلح لهم ذلك . ( وما يستطيعون   ) يقول : وما يستطيعون أن يتنزلوا به ، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء . ( إنهم عن السمع لمعزولون   ) يقول : إن الشياطين عن سمع القران من المكان  [ ص: 404 ] الذي هو به من السماء لمعزولون ، فكيف يستطيعون أن يتنزلوا به . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا الحسن  ، قال : أخبرنا عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة  ، في قوله : ( وما تنزلت به الشياطين   ) قال : هذا القرآن . وفي قوله ( إنهم عن السمع لمعزولون   ) قال : عن سمع السماء . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني أبو سفيان  ، عن معمر  ، عن قتادة  ، بنحوه ، إلا أنه قال : عن سمع القرآن . 
والقراء مجمعة على قراءة ( وما تنزلت به الشياطين   ) بالتاء ورفع النون ، لأنها نون أصلية ، واحدهم شيطان ، كما واحد البساتين بستان . وذكر عن الحسن  أنه كان يقرأ ذلك : " وما تنزلت به الشياطون " بالواو ، وذلك لحن ، وينبغي أن يكون ذلك إن كان صحيحا عنه ، أن يكون توهم أن ذلك نظير المسلمين والمؤمنين ، وذلك بعيد من هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					