القول في تأويل قوله تعالى : ( قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون    ( 33 ) وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون   ( 34 ) ) 
 [ ص: 577 ] يقول تعالى ذكره : ( قال ) موسى   : ( رب إني قتلت من قوم فرعون نفسا فأخاف ) إن أتيتهم فلم أبن عن نفسي بحجة ( أن يقتلون ) ، لأن في لساني عقدة ، ولا أبين معها ما أريد من الكلام ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا   ) يقول : أحسن بيانا عما يريد أن يبينه ( فأرسله معي ردءا   ) يقول : عونا ( يصدقني ) : أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به . كما حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق   ( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني   ) : أي يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم ما لا يفهمون . وقيل : إنما سأل موسى  ربه يؤيده بأخيه ، لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخير ، كانت النفس إلى تصديقهما ، أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( فأرسله معي ردءا يصدقني   ) لأن الاثنين أحرى أن يصدقا من واحد  . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  ، قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  ، قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( فأرسله معي ردءا يصدقني   ) قال عونا  . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثنا بشر  ، قال : ثنا يزيد  ، قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  ، قوله : ( ردءا يصدقني   ) : أي عونا  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : كيما يصدقني . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  ، قال : ثنا عبد الله  ، قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس   ( ردءا يصدقني   ) يقول : كي يصدقني  .  [ ص: 578 ] 
حدثنا موسى  ، قال : ثنا عمرو  ، قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( فأرسله معي ردءا يصدقني   ) يقول : كيما يصدقني  . 
حدثني محمد بن سعد  ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( ردءا يصدقني   ) يقول : كيما يصدقني  . والردء في كلام العرب   : هو العون ، يقال منه : قد أردأت فلانا على أمره : أي أكفيته وأعنته . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يصدقني ) فقرأته عامة قراء الحجاز  والبصرة   : " ردءا يصدقني " بجزم يصدقني . وقرأ عاصم  وحمزة   : يصدقني  برفعه ، فمن رفعه جعله صلة للردء ، بمعنى : فأرسله معي ردءا من صفته يصدقني ; ومن جزمه جعله جوابا لقوله : فأرسله ، فإنك إذا أرسلته صدقني على وجه الخبر . والرفع في ذلك أحب القراءتين إلي ، لأنه مسألة من موسى  ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة . 
وقوله : ( إني أخاف أن يكذبون   ) يقول : إني أخاف أن لا يصدقون على قولي لهم : إني أرسلت إليكم . 
				
						
						
