القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين    ( 20 ) ) 
اختلفت القراء في قراءة قوله ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه   ) فقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين   ( ولقد صدق ) بتشديد الدال من صدق ، بمعنى أنه قال ظنا منه ( ولا تجد أكثرهم شاكرين   ) وقال ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين   ) ثم صدق ظنه ذلك فيهم فحقق ذلك بهم ، وباتباعهم إياه . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة ،  والشأم ،  والبصرة   ( ولقد صدق ) بتخفيف الدال بمعنى : ولقد صدق عليهم ظنه . 
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن إبليس قد صدق على كفرة بني آدم في ظنه ، وصدق عليهم ظنه الذي ظن حين قال : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين   ) وحين  [ ص: 392 ] قال ( ولأضلنهم ولأمنينهم   . . . ) الآية ، قال ذلك عدو الله ظنا منه أنه يفعل ذلك لا علما ، فصار ذلك حقا باتباعهم إياه . فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب . فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام على قراءة من قرأ بتشديد الدال : ولقد ظن إبليس بهؤلاء الذين بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط عقوبة منا لهم ، ظنا غير يقين ، علم أنهم يتبعونه ويطيعونه في معصية الله فصدق ظنه عليهم بإغوائه إياهم حتى أطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقا من المؤمنين بالله فإنهم ثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني أحمد بن يوسف  قال : ثنا القاسم  قال : ثنا حجاج ،  عن هارون  قال : أخبرني عمرو بن مالك ،  عن أبي الجوزاء ،  عن ابن عباس ،  أنه قرأ ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ) مشددة ، وقال : ظن ظنا فصدق ظنه . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا يحيى ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد   ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه   ) قال : ظن ظنا فاتبعوا ظنه . 
قال : ثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه   ) قال الله : ما كان إلا ظنا ظنه ، والله لا يصدق كاذبا ولا يكذب صادقا . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه   ) قال : أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم علي وفضلتهم وشرفتهم لا تجد أكثرهم شاكرين ، وكان ذلك ظنا منه بغير علم ، فقال الله ( فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) . 
				
						
						
