القول في تأويل قوله تعالى : ( فبشرناه بغلام حليم   ( 101 ) فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين    ( 102 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : فبشرنا إبراهيم  بغلام حليم ، يعني بغلام ذي حلم إذا هو كبر ، فأما في طفولته في المهد ، فلا يوصف بذلك . وذكر أن الغلام الذي بشر الله به إبراهيم  إسحاق   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد بن حميد  قال : ثنا  يحيى بن واضح  قال : ثنا الحسين ،  عن يزيد ،  عن عكرمة   : ( فبشرناه بغلام حليم   ) قال : هو إسحاق   . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( فبشرناه بغلام حليم   )  [ ص: 73 ] بشر بإسحاق ،  قال : لم يثن بالحلم على أحد غير إسحاق  وإبراهيم   . 
وقوله ( فلما بلغ معه السعي   ) يقول : فلما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيم  مع إبراهيم  العمل ، وهو السعي ، وذلك حين أطاق معونته على عمله . 
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله ( فلما بلغ معه السعي   ) يقول : العمل  . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله ( فلما بلغ معه السعي   ) قال : لما شب حتى أدرك سعيه سعي إبراهيم  في العمل  . 
حدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله ، إلا أنه قال : لما شب حين أدرك سعيه . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا ابن أبي عدي ،  عن شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد   ( فلما بلغ معه السعي   ) قال : سعي إبراهيم   . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا سهل بن يوسف ،  عن شعبة ،  عن الحكم ،  عن مجاهد   ( فلما بلغ معه السعي   ) : سعي إبراهيم   . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد ،  في قوله ( فلما بلغ معه السعي   ) قال : السعي هاهنا العبادة  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : فلما مشى مع إبراهيم   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( فلما بلغ معه السعي   )  [ ص: 74 ]  : أي لما مشى مع أبيه  . 
وقوله ( قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك   ) يقول - تعالى ذكره - : قال إبراهيم  خليل الرحمن لابنه : ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك   ) وكان فيما ذكر أن إبراهيم  نذر حين بشرته الملائكة بإسحاق  ولدا أن يجعله إذا ولدته سارة  لله ذبيحا ، فلما بلغ إسحاق  مع أبيه السعي أري إبراهيم  في المنام ، فقيل له : أوف لله بنذرك ، ورؤيا الأنبياء يقين ، فلذلك مضى لما رأى في المنام ، وقال له ابنه إسحاق  ما قال . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا موسى بن هارون  قال : ثنا عمرو بن حماد  قال : ثنا أسباط ،  عن  السدي  قال : قال جبرائيل  لسارة   : أبشري بولد اسمه إسحاق ،  ومن وراء إسحاق  يعقوب ،  فضربت جبهتها عجبا ، فذلك قوله ( فصكت وجهها   ) و ( قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب   ) إلى قوله ( حميد مجيد   ) قالت سارة  لجبريل   : ما آية ذلك ؟ فأخذ بيده عودا يابسا ، فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فقال إبراهيم   : هو لله إذن ذبيح ، فلما كبر إسحاق  أتي إبراهيم  في النوم ، فقيل له : أوف بنذرك الذي نذرت ، إن الله رزقك غلاما من سارة  أن تذبحه ، فقال لإسحاق   : انطلق نقرب قربانا إلى الله ، وأخذ سكينا وحبلا ثم انطلق معه حتى إذا ذهب به بين الجبال قال له الغلام : يا أبت أين قربانك ؟ ( قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين   ) فقال له إسحاق   : يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء ، فتراه سارة  فتحزن ، وأسرع مر السكين على حلقي ، ليكون أهون للموت علي ،  فإذا أتيت سارة  فاقرأ عليها مني السلام ، فأقبل عليه إبراهيم  يقبله وقد ربطه وهو يبكي وإسحاق  يبكي ، حتى استنقع الدموع تحت خد إسحاق ،  ثم إنه جر السكين على حلقه ، فلم تحك السكين ، وضرب الله صفيحة من النحاس على  [ ص: 75 ] حلق إسحاق  ، فلما رأى ذلك ضرب به على جبينه ، وحز من قفاه ، فذلك قوله ( فلما أسلما ) يقول : سلما لله الأمر ( وتله للجبين   ) فنودي يا إبراهيم   ( قد صدقت الرؤيا   ) بالحق فالتفت فإذا بكبش ، فأخذه وخلى عن ابنه ، فأكب على ابنه يقبله ، وهو يقول : اليوم يا بني وهبت لي ، فلذلك يقول الله : ( وفديناه بذبح عظيم   ) فرجع إلى سارة  فأخبرها الخبر ، فجزعت سارة  وقالت : يا إبراهيم  أردت أن تذبح ابني ولا تعلمني  ! . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك   ) قال : رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا فى المنام شيئا فعلوه  . 
حدثنا مجاهد بن موسى  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سفيان بن عيينة ،  عن  عمرو بن دينار ،  عن  عبيد بن عمير  قال : رؤيا الأنبياء وحي ، ثم تلا هذه الآية : ( إني أرى في المنام أني أذبحك   )  . 
قوله ( فانظر ماذا ترى   ) : اختلفت القراء في قراءة قوله ( ماذا ترى ؟ ) ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة  والبصرة ،  وبعض قراء أهل الكوفة   : ( فانظر ماذا ترى   ) بفتح التاء ، بمعنى : أي شيء تأمر ، أو فانظر ما الذي تأمر ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة   : " ماذا ترى " بضم التاء ، بمعنى : ماذا تشير ، وماذا ترى من صبرك أو جزعك من الذبح ؟ 
والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه : ( ماذا ترى ) بفتح التاء ، بمعنى : ماذا ترى من الرأي . 
فإن قال قائل : أوكان إبراهيم  يؤامر ابنه في المضي لأمر الله ، والانتهاء إلى طاعته ؟ قيل : لم يكن ذلك منه مشاورة لابنه في طاعة الله ، ولكنه كان منه ليعلم ما عند ابنه من العزم : هل هو من الصبر على أمر الله على مثل الذي هو عليه ، فيسر بذلك أم لا وهو في الأحوال كلها ماض لأمر الله . 
 [ ص: 76 ] وقوله ( قال يا أبت افعل ما تؤمر   ) يقول - تعالى ذكره - : قال إسحاق  لأبيه : يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي . ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين   ) يقول : ستجدني إن شاء الله صابرا من الصابرين لما يأمرنا به ربنا ، وقال : ( افعل ما تؤمر   ) ، ولم يقل : ما تؤمر به ، لأن المعنى : افعل الأمر الذي تؤمره ، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " إني أرى في المنام افعل ما أمرت به " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					