القول في تأويل قوله تعالى : ( بل الله فاعبد وكن من الشاكرين    ( 66 ) وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون   ( 67 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - : لا تعبد ما أمرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد  بعبادته ، بل الله فاعبد دون كل ما سواه من الآلهة والأوثان والأنداد ( وكن من الشاكرين   ) لله على نعمته عليك بما أنعم من الهداية لعبادته ، والبراءة من عبادة الأصنام والأوثان . ونصب اسم الله بقوله ( فاعبد ) وهو بعده ، لأنه رد الكلام ، ولو نصب بمضمر قبله ، إذ كانت العرب تقول : زيد فليقم . وزيدا فليقم . رفعا ونصبا ، الرفع على فلينظر زيد ، فليقم ، والنصب على انظروا زيدا فليقم . كان صحيحا جائزا . 
وقوله : ( وما قدروا الله حق قدره    ) يقول - تعالى ذكره - : وما عظم الله حق عظمته ، هؤلاء المشركون بالله ، الذين يدعونك إلى عبادة الأوثان . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
علي ، قال . ثنا أبو صالح  قال . ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله : ( وما قدروا الله حق قدره   ) قال : هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم ، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير ، فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك ، فلم يقدر الله حق قدره . 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد   . قال . ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( وما قدروا الله حق قدره   )  [ ص: 324 ]  : ما عظموا الله حق عظمته . 
وقوله : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة    ) يقول - تعالى ذكره - : والأرض كلها قبضته في يوم القيامة ( والسموات ) كلها ( مطويات بيمينه   ) فالخبر عن الأرض متناه عند قوله : يوم القيامة ، والأرض مرفوعة بقوله ( قبضته ) ، ثم استأنف الخبر عن السموات ، فقال : ( والسماوات مطويات بيمينه   ) وهي مرفوعة بمطويات . 
وروي عن ابن عباس  وجماعة غيره أنهم كانوا يقولون : الأرض والسموات جميعا في يمينه يوم القيامة . 
ذكر الرواية بذلك : 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   . قوله : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) يقول : قد قبض الأرضين والسموات جميعا بيمينه . ألم تسمع أنه قال : ( مطويات بيمينه   ) يعنى : الأرض والسموات بيمينه جميعا ، قال ابن عباس   : وإنما يستعين بشماله المشغولة بيمينه . 
حدثنا ابن بشار  قال . ثنا  معاذ بن هشام   . قال : ثني أبي عن عمرو بن مالك  ، عن أبي الجوزاء  ، عن ابن عباس  قال : ما السموات السبع ، والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم . قال : ثنا  معاذ بن هشام  قال : ثني أبي ، عن قتادة  قال : ثنا النضر بن أنس  ، عن ربيعة الجرسي  قال : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه   ) قال : ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء . 
حدثني علي بن الحسن الأزدي  قال ثنا يحيى بن يمان  ، عن عمار بن عمرو  ، عن الحسن  ، في قوله : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) قال : كأنها جوزة بقضها وقضيضها .  [ ص: 325 ] 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) يقول : السموات والأرض مطويات بيمينه جميعا . 
وكان ابن عباس  يقول : إنما يستعين بشماله المشغولة بيمينه ، وإنما الأرض والسموات كلها بيمينه ، وليس في شماله شيء . 
حدثنا الربيع  قال : ثنا ابن وهب  قال : أخبرني أسامة بن زيد  ، عن أبي حازم  ، عن عبد الله بن عمر  ، أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يخطب الناس ، فمر بهذه الآية : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يأخذ السموات والأرضين السبع فيجعلها في كفه ، ثم يقول بهما كما يقول الغلام بالكرة : أنا الله الواحد ، أنا الله العزيز  " حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا يحيى  ، عن سفيان  قال : ثني منصور  وسليمان  ، عن إبراهيم  ، عن عبيدة السلماني  ، عن عبد الله  قال : جاء يهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد  إن الله يمسك السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والخلائق على أصبع ، ثم يقول : أنا الملك ، قال : فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه وقال : ( وما قدروا الله حق قدره   )  . 
حدثنا ابن بشار  قال : ثنا يحيى  قال : ثنا  فضيل بن عياض  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  ، عن عبيدة  عن عبد الله  قال : فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجبا وتصديقا . 
محمد بن الحسين  قال : ثنا أحمد بن المفضل  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي  ، عن منصور  ، عن خيثمة بن عبد الرحمن  ، عن علقمة  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين  [ ص: 326 ] جاءه حبر من أحبار اليهود ، فجلس إليه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " حدثنا ، قال : إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، جعل السموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، والماء والشجر على أصبع ، وجميع الخلائق على أصبع ثم يهزهن ثم يقول : أنا الملك ، قال : فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه تصديقا لما قال ، ثم قرأ هذه الآية : ( وما قدروا الله حق قدره   ) . . . الآية  " . 
محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي  ، نحو ذلك . 
حدثني سليمان بن عبد الجبار  ، وعباس بن أبي طالب  ، قالا ثنا محمد بن الصلت  قال : ثنا أبو كدينة  عن عطاء بن السائب  ، عن أبي الضحى  ، عن ابن عباس  قال : مر يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس ، فقال : " يا يهودي حدثنا " فقال : كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه ، والأرض على ذه ، والجبال على ذه ، وسائر الخلق على ذه ، فأنزل الله ( وما قدروا الله حق قدره   ) . . . الآية  " . 
حدثني أبو السائب  قال : ثنا أبو معاوية  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن علقمة  ، عن عبد الله  قال : " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم أبلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع ، والسموات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والشجر على أصبع ، والثرى على أصبع ؟ قال فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ، فأنزل الله ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته   ) . . . إلى آخر الآية  . 
وقال آخرون : بل السموات في يمينه ، والأرضون في شماله . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا علي بن داود  قال : ثنا ابن أبي مريم  قال : أخبرنا ابن أبي حازم  قال : ثني أبو حازم  ، عن عبيد الله بن مقسم  ، أنه سمع عبد الله بن  [ ص: 327 ] عمر  يقول : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يقول : " يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه " وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ، وجعل يقبضهما ويبسطهما ، قال : ثم يقول : " أنا الرحمن أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون " وتمايل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه ، وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم -  " ؟ . 
حدثني أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد  قال : ثني عبد الله بن نافع  ، عن عبد العزيز بن أبي حازم  ، عن أبيه ، عن  عبيد بن عمير  ، عن عبد الله بن عمر  ، أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يأخذ الجبار سمواته وأرضه بيديه " وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ، ثم يقول : " أنا الجبار ، أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ؟ " قال : ويميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه وعن شماله ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟  " . 
حدثني الحسن بن علي بن عياش الحمصي  قال : ثنا بشر بن شعيب  قال : أخبرني أبي ، قال : ثنا  محمد بن مسلم بن شهاب  قال : أخبرني  سعيد بن المسيب  ، عن  أبي هريرة  أنه كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقبض الله عز وجل الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟  " . 
حدثت عن حرملة بن يحيى  ، قال : ثنا إدريس بن يحيى القائد  ، قال : أخبرنا حيوة  ، عن عقيل  ، عن ابن شهاب  ، قال : أخبرني نافع مولى ابن عمر  ، عن عبد الله بن عمر  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يقبض الأرض يوم القيامة بيده ، ويطوي السماء بيمينه ويقول : أنا الملك  " . 
حدثني محمد بن عون  قال : ثنا أبو المغيرة  قال : ثنا ابن أبي مريم  ،  [ ص: 328 ] قال : ثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي  عن  أبي أيوب الأنصاري  قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبر من اليهود ، قال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه   ) فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : " هم فيها كرقم الكتاب  " . 
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري  قال : ثنا أبو أسامة  قال : ثنا عمرو بن حمزة  قال : ثني سالم  ، عن أبيه ، أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يطوي الله السموات فيأخذهن بيمينه ويطوي الأرض فيأخذها بشماله ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون  " . 
وقيل : إن هذه الآية نزلت من أجل يهودي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صفة الرب . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا سلمة  قال : ثني ابن إسحاق  ، عن محمد  ، عن سعيد  قال : " أتى رهط من اليهود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد  ، هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى انتقع لونه ، ثم ساورهم غضبا لربه ، فجاءه جبريل  فسكنه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد  ، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد   ) فلما تلاها عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : صف لنا ربك ، كيف خلقه ، وكيف عضده ، وكيف ذراعه ؟ فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد من غضبه الأول ، ثم ساورهم ، فأتاه جبريل  فقال مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون   )  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا يعقوب  ، عن جعفر  ، عن سعيد  قال : تكلمت اليهود في صفة الرب ، فقالوا ما لم يعلموا ولم يروا ، فأنزل الله على  [ ص: 329 ] نبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( وما قدروا الله حق قدره   ) ثم بين للناس عظمته فقال : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون   ) ، فجعل صفتهم التي وصفوا الله بها شركا " . 
وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة   ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه   ) يقول في قدرته نحو قوله : ( وما ملكت أيمانكم   ) أي وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد ، قال : وقوله ( قبضته ) نحو قولك للرجل : هذا في يدك وفي قبضتك . والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه وغيرهم ، تشهد على بطول هذا القول . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا هارون بن المغيرة  ، عن عنبسة  ، عن حبيب  بن أبي عمرة عن مجاهد  ، عن ابن عباس  ، عن عائشة  قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) فأين الناس يومئذ ؟ قال : " على الصراط " . 
وقوله ( سبحانه وتعالى عما يشركون   ) يقول - تعالى ذكره - تنزيها وتبرئة لله ، وعلوا وارتفاعا عما يشرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد  ، القائلون لك : اعبد الأوثان من دون الله ، واسجد لآلهتنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					