القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع   ( 18 ) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور   ( 19 ) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير   ( 20 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه : وأنذر يا محمد  مشركي قومك يوم الآزفة ، يعني يوم القيامة ، أن يوافوا الله فيه بأعمالهم الخبيثة ، فيستحقوا من الله عقابه الأليم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، في قول الله : ( يوم الآزفة   ) قال : يوم القيامة . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( وأنذرهم يوم الآزفة    ) يوم القيامة . 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( وأنذرهم يوم الآزفة   )  [ ص: 368 ] قال : يوم القيامة . 
حدثنا يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، فى قوله ( وأنذرهم يوم الآزفة   ) قال : يوم القيامة ، وقرأ : ( أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة   ) . 
وقوله : ( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين   ) يقول - تعالى ذكره - : إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله لدى حناجرهم قد شخصت من صدورهم ، فتعلقت بحلوقهم كاظميها ، يرومون ردها إلى مواضعها من صدورهم فلا ترجع ، ولا هي تخرج من أبدانهم فيموتوا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( إذ القلوب لدى الحناجر   ) قال : قد وقعت القلوب في الحناجر من المخافة ، فلا هي تخرج ولا تعود إلى أمكنتها . 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين   ) قال : شخصت أفئدتهم عن أمكنتها ، فنشبت في حلوقهم ، فلم تخرج من أجوافهم فيموتوا ، ولم ترجع إلى أمكنتها فتستقر . 
واختلف أهل العربية في وجه النصب ( كاظمين ) فقال بعض نحويي البصرة :  انتصابه على الحال ، كأنه أراد : إذ القلوب لدى الحناجر في هذه الحال . وكان بعض نحويي الكوفة  يقول : الألف واللام بدل من الإضافة ، كأنه قال : إذا قلوبهم لدى حناجرهم في حال كظمهم . وقال آخر منهم : هو نصب على القطع من المعنى الذي يرجع من ذكرهم في القلوب والحناجر ، المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين . قال : فإن شئت جعلت قطعه من الهاء التي في قوله ( وأنذرهم ) قال : والأول أجود في العربية ، وقد تقدم بيان وجه ذلك .  [ ص: 369 ] 
وقوله : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع   ) يقول - جل ثناؤه - : ما للكافرين بالله يومئذ من حميم يحم لهم ، فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله ، ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع ، ويجاب فيما سأل . 
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع   ) قال : من يعنيه أمرهم ، ولا شفيع لهم . وقوله : ( يطاع ) صلة للشفيع . ومعنى الكلام : ما للظالمين من حميم ولا شفيع إذا شفع أطيع فيما شفع ، فأجيب وقبلت شفاعته له . 
وقوله : ( يعلم خائنة الأعين    ) يقول جل ذكره مخبرا عن صفة نفسه : يعلم ربكم ما خانت أعين عباده ، وما أخفته صدورهم ، يعني : وما أضمرته قلوبهم؛ يقول : لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدث به نفسه ، ويضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره ، وما ينوي ذلك بقلبه ( والله يقضي بالحق   ) يقول : والله - تعالى ذكره - يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها ، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق ، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم ، وصرفوها عن محارمه حذار الموقف بين يديه ، ومسألته عنه بالحسنى ، والذين رددوا النظر ، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدرت ، جزاءها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني عبد الله  بن أحمد المروزي  قال : ثنا علي بن حسين بن واقد  قال : ثني أبي ، قال : ثنا الأعمش  قال : ثنا سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   [ ص: 370 ]  ( يعلم خائنة الأعين   ) إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا ( وما تخفي الصدور   ) إذا قدرت عليها أتزني بها أم لا ؟ قال : ثم سكت ، ثم قال : ألا أخبركم بالتي تليها ؟ قلت نعم ، قال : ( والله يقضي بالحق   ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة ( إن الله هو السميع البصير   ) قال الحسن   : فقلت للأعمش   : حدثني الكلبي  ، إلا أنه قال : إن الله قادر على أن يجزي بالسيئة السيئة ، وبالحسنة عشرا . وقال الأعمش   : إن الذي عند الكلبي  عندي ، ما خرج مني إلا بحقير . 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   ( يعلم خائنة الأعين   ) قال : نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( خائنة الأعين   ) : أي يعلم همزه بعينه ، وإغماضه فيما لا يحب الله ولا يرضاه . 
وقوله : ( والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء   ) يقول : والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء ، لأنها لا تعلم شيئا ، ولا تقدر على شيء ، يقول - جل ثناؤه - لهم : فاعبدوا الذي يقدر على كل شيء ، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فيجزي محسنكم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة ، لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئا ، فيعرف المحسن من المسيء ، فيثيب المحسن ، ويعاقب المسيء . 
وقوله : ( إن الله هو السميع البصير   ) يقول : إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس ، البصير بما تفعلون من الأفعال ، محيط بكل ذلك محصيه عليكم ، ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( والذين يدعون من دونه   ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة   : " والذين تدعون من دونه   " بالتاء على وجه الخطاب . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة  بالياء على وجه الخبر .  [ ص: 371 ] 
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
				
						
						
