القول في تأويل قوله تعالى : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد    ( 26 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  [ ص: 534 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبوكريب  قال : ثنا عثام  قال : ثنا الأعمش  ، عن شقيق بن سلمة  ، عن سلمة بن سبرة  قال : خطبنا معاذ  ، فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس  والروم  يدخلون الجنة ، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت غفر الله لك ، ثم قرأ : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله   )  . 
وقوله : ( ويزيدهم من فضله   ) يقول - تعالى ذكره - : ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم ، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه ، بأن يعطيهم ما لم يسألوه . وقيل : إن ذلك الفضل الذي ضمن - جل ثناؤه - أن يزيدهموه ، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم ، فشفعوا فيهم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي  قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة  ، عن  سعيد بن بشير  ، عن قتادة  ، عن  إبراهيم النخعي  في قول الله عز وجل : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات   ) قال : يشفعون في إخوانهم ، ويزيدهم من فضله ، قال : يشفعون في إخوان إخوانهم  . 
وقوله : ( والكافرون لهم عذاب شديد   ) يقول - جل ثناؤه - : والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به . 
واختلف أهل العربية في معنى قوله ( ويستجيب الذين آمنوا   ) فقال بعضهم : أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين ، فالذين في قوله رفع والفعل لهم . وتأويل الكلام على هذا المذهب : واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به ، والعمل بطاعته إذا دعاهم إلى ذلك .  [ ص: 535 ] 
وقال آخر منهم : بل معنى ذلك : ويجيب الذين آمنوا . وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما الرفع ، بمعنى ويجيب الله الذين آمنوا . والآخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا . 
وقال بعض نحوي الكوفة   ( ويستجيب الذين آمنوا   ) يكون " الذين " في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . وقد جاء في التنزيل ( فاستجاب لهم ربهم   ) والمعنى : فأجاب لهم ربهم ، إلا أنك إذا قلت استجاب ، أدخلت اللام في المفعول؛ وإذا قلت أجاب حذفت اللام ، ويكون استجابهم بمعنى : استجاب لهم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وإذا كالوهم أو وزنوهم   ) والمعنى والله أعلم : وإذا كالوا لهم ، أو وزنوا لهم ( يخسرون ) . قال : ويكون " الذين " في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم ، أي الذين آمنوا يستجيبون لله ، ويزيدهم على إجابتهم ، والتصديق به من فضله . وقد بينا الصواب في ذلك من القول على ما تأوله معاذ  ومن ذكرنا قوله فيه . 
				
						
						
