القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون    ( 27 ) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون   ( 28 ) )  [ ص: 132 ] 
يقول - تعالى ذكره - لكفار قريش  محذرهم بأسه وسطوته ، أن يحل بهم على كفرهم ( ولقد أهلكنا   ) أيها القوم من القرى ما حول قريتكم ، كحجر ثمود  وأرض سدوم  ومأرب  ونحوها ، فأنذرنا أهلها بالمثلات ، وخربنا ديارها ، فجعلناها خاوية على عروشها . 
وقوله : ( وصرفنا الآيات   ) يقول : ووعظناهم بأنواع العظات ، وذكرناهم بضروب من الذكر والحجج ، وبينا لهم ذلك . 
كما حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( وصرفنا الآيات   ) قال بيناها ( لعلهم يرجعون   ) يقول ليرجعوا عما كانوا عليه مقيمين من الكفر بالله وآياته  . وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام عليه ، وهو : فأبوا إلا الإقامة على كفرهم ، والتمادي في غيهم ، فأهلكناهم ، فلن ينصرهم منا ناصر; يقول - جل ثناؤه - : فلولا نصر هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم الخالية قبلهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتها قربانا يتقربون بها فيما زعموا إلى ربهم منا إذ جاءهم بأسنا ، فتنقذهم من عذابنا إن كانت تشفع لهم عند ربهم كما يزعمون . 
وهذا احتجاج من الله لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - على مشركي قومه ، يقول لهم : لو كانت آلهتكم التي تعبدون من دون الله تغني عنكم شيئا ، أو تنفعكم عند الله كما تزعمون أنكم إنما تعبدونها ، لتقربكم إلى الله زلفى ، لأغنت عمن كان قبلكم من الأمم التي أهلكتها بعبادتهم إياها ، فدفعت عنها العذاب إذا نزل ، أو لشفعت لهم عند ربهم ، فقد كانوا من عبادتها على مثل الذي عليه أنتم ، ولكنها ضرتهم ولم تنفعهم . 
يقول - تعالى ذكره - : ( بل ضلوا عنهم   ) يقول : بل تركتهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها ، فأخذت غير طريقهم ،  [ ص: 133 ] لأن عبدتها هلكت ، وكانت هي حجارة أو نحاسا ، فلم يصبها ما أصابهم ، ودعوها فلم تجبهم ، ولم تغثهم ، وذلك ضلالها عنهم ، وذلك إفكهم ، يقول - عز وجل - : هذه الآلهة التي ضلت عن هؤلاء الذين كانوا يعبدونها من دون الله عند نزول بأس الله بهم ، وفي حال طمعهم فيها أن تغيثهم ، فخذلتهم هو إفكهم : يقول : هو كذبهم الذي كانوا يكذبون ، ويقولون به : هؤلاء آلهتنا وما كانوا يفترون ، يقول : وهو الذي كانوا يفترون ، فيقولون : هي تقربنا إلى الله زلفى ، وهي شفعاؤنا عند الله . وأخرج الكلام مخرج الفعل ، والمعني المفعول به ، فقيل : وذلك إفكهم ، والمعني فيه : المأفوك به لأن الإفك إنما هو فعل الآفك ، والآلهة مأفوك بها . وقد مضى البيان عن نظائر ذلك قبل ، قال : وكذلك قوله ( وما كانوا يفترون   ) . 
واختلفت القراء في قراءة قوله ( وذلك إفكهم   ) فقرأته عامة قراء الأمصار ، وذلك إفكهم بكسر الألف وسكون الفاء وضم الكاف بالمعنى الذي بينا . 
وروي عن ابن عباس  رضي الله عنهما في ذلك ما حدثني أحمد بن يوسف  قال : ثنا القاسم  قال : ثنا هشيم  ، عن عوف  ، عمن حدثه ، عن ابن عباس  ، أنه كان يقرؤها ( وذلك أفكهم ) يعني بفتح الألف والكاف وقال : أضلهم . فمن قرأ القراءة الأولى التي عليها قراء الأمصار ، فالهاء والميم في موضع خفض . ومن قرأ هذه القراءة التي ذكرناها عن ابن عباس  فالهاء والميم في موضع نصب ، وذلك أن معنى الكلام على ذلك ، وذلك صرفهم عن الإيمان بالله . 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، القراءة التي عليها قراءة الأمصار لإجماع الحجة عليها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					