القول في تأويل قوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها    ) 
قال أبو جعفر   : يعني بقوله تعالى ذكره : "ولكل" ، ولكل أهل ملة ، فحذف "أهل الملة" واكتفى بدلالة الكلام عليه ، كما : - 
2274 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله عز وجل : "ولكل وجهة" قال : لكل صاحب ملة  . 
2275 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع   : "ولكل وجهة هو موليها" ، فلليهودي وجهة هو موليها ، وللنصراني وجهة هو موليها ، وهداكم الله عز وجل أنتم أيها الأمة للقبلة التي هي قبلته  . 
2276 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : قلت لعطاء  قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لكل أهل دين ، اليهود  والنصارى   . قال  ابن جريج ،  قال مجاهد   : لكل صاحب ملة . 
2277 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لليهود  قبلة ، وللنصارى قبلة ، ولكم قبلة . يريد المسلمين . 
2278 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال :  [ ص: 193 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : "ولكل وجهة هو موليها " ، يعني بذلك أهل الأديان : يقول : لكل قبلة يرضونها ، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون . وذلك أن الله تعالى ذكره قال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم   ) [ سورة البقرة : 115 ] 
2279 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : "ولكل وجهة هو موليها " ، يقول : لكل قوم قبلة قد ولوها . 
فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية : ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ، ومول وجهه إليها . 
وقال آخرون بما : - 
2280 - حدثنا به الحسن بن يحيى  قال : حدثنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة   : "ولكل وجهة هو موليها" قال : هي صلاتهم إلى بيت المقدس ،  وصلاتهم إلى الكعبة   . 
وتأويل قائل هذه المقالة : ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد  قبلة ، الله عز وجل موليها عباده . 
وأما "الوجهة" ، فإنها مصدر مثل "القعدة " و"المشية " ، من "التوجه " . وتأويلها : متوجه ، يتوجه إليه بوجهه في صلاته ، كما : - 
2281 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : "وجهة " قبلة .  [ ص: 194 ] 
2282 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
2283 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع   : "ولكل وجهة " قال : وجه . 
2284 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد   : "وجهة " ، قبلة . 
2285 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير  قال : قلت لمنصور   : " ولكل وجهة هو موليها   " قال : نحن نقرأها ( ولكل جعلنا قبلة يرضونها ) . 
وأما قوله : "هو موليها" ، فإنه يعني هو مول وجهه إليها ومستقبلها ، كما : - 
2286 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : "هو موليها " قال : هو مستقبلها . 
2287 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
ومعنى "التولية" هاهنا الإقبال ، كما يقول القائل لغيره : "انصرف إلي" بمعنى : أقبل إلي . "والانصراف" المستعمل ، إنما هو الانصراف عن الشيء ، ثم يقال : "انصرف إلى الشيء" ، بمعنى : أقبل إليه منصرفا عن غيره . وكذلك يقال : "وليت عنه " ، إذا أدبرت عنه . ثم يقال : "وليت إليه" ، بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره .  [ ص: 195 ] 
والفعل - أعني "التولية" - في قوله : "هو موليها " لل "كل" . و"هو " التي مع "موليها" ، هو "الكل" ، وحدت للفظ "الكل" . 
فمعنى الكلام إذا : ولكل أهل ملة وجهة ، الكل منهم مولوها وجوههم . 
وقد روي عن ابن عباس  وغيره أنهم قرأوها : "هو مولاها " ، بمعنى أنه موجه نحوها . ويكون "الكل " حينئذ غير مسمى فاعله ، ولو سمي فاعله ، لكان الكلام : ولكل ذي ملة وجهة ، الله موليه إياها ، بمعنى : موجهه إليها . 
وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك : "ولكل وجهة" بترك التنوين والإضافة . وذلك لحن ، ولا تجوز القراءة به . لأن ذلك - إذا قرئ كذلك - كان الخبر غير تام ، وكان كلاما لا معنى له . وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه . 
والصواب عندنا من القراءة في ذلك : " ولكل وجهة هو موليها   " ، بمعنى : ولكل وجهة وقبلة ، ذلك الكل مول وجهه نحوها . لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك ، وتصويبها إياها ، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره . وما جاء به النقل مستفيضا فحجة ، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والغلط ، فغير جائز الاعتراض به على الحجة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					