القول في تأويل قوله تعالى : ( فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين    ( 45 ) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين   ( 46 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله ، ولا قدروا على نهوض به . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ، قوله ( فما استطاعوا من قيام   ) يقول : ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى .  [ ص: 437 ] 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة ( فما استطاعوا من قيام   ) قال : من نهوض . 
وكان بعض أهل العربية يقول : معنى قوله ( فما استطاعوا من قيام   ) : فما قاموا بها ، قال : لو كانت فما استطاعوا من إقامة ، لكان صوابا ، وطرح الألف منها كقوله ( أنبتكم من الأرض نباتا   ) . 
وقوله ( وما كانوا منتصرين   ) يقول : وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلت بهم . 
وكان قتادة  يقول في تأويل ذلك : ما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وما كانوا منتصرين   ) قال : ما كانت عندهم من قوة يمتنعون بها من الله عز وجل . 
وقوله ( وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين    ) اختلفت القراء في قراءة قوله ( وقوم نوح   ) نصبا . ولنصب ذلك وجوه : أحدها : أن يكون " القوم " عطفا على الهاء والميم في قوله ( فأخذتهم الصاعقة   ) إذ كان كل عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة ، فيكون معنى الكلام حينئذ : فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح  من قبل . والثاني : أن يكون منصوبا بمعنى الكلام ، إذ كان فيما مضى من أخبار الأمم قبل دلالة على المراد من الكلام ، وأن معناه : أهلكنا هذه الأمم ، وأهلكنا قوم نوح  من قبل . والثالث : أن يضمر له فعلا ناصبا ، فيكون معنى الكلام : واذكر لهم قوم نوح  ، كما قال ( وإبراهيم إذ قال لقومه   ) ونحو ذلك ، بمعنى أخبرهم واذكر لهم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة  والبصرة   ( وقوم نوح   ) بخفض القوم على معنى : وفي قوم نوح  عطفا بالقوم على موسى  في قوله ( وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون   ) . 
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وتأويل ذلك في قراءة من قرأه خفضا وفي قوم نوح  لهم أيضا عبرة ، إذ أهلكناهم من قبل ثمود  لما كذبوا رسولنا نوحا   [ ص: 438 ]  ( إنهم كانوا قوما فاسقين   ) يقول : إنهم كانوا مخالفين أمر الله ، خارجين عن طاعته . 
				
						
						
