القول في تأويل إذا وقعت الواقعة ( 1 ) قوله تعالى : ( ليس لوقعتها كاذبة ( 2 ) خافضة رافعة ( 3 ) إذا رجت الأرض رجا ( 4 ) وبست الجبال بسا ( 5 ) فكانت هباء منبثا ( 6 ) )
يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( إذا وقعت الواقعة ) : إذا نزلت صيحة القيامة ، وذلك حين ينفخ في الصور لقيام الساعة .
كما حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إذا وقعت الواقعة ) يعني الصيحة .
حدثنا علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : ( إذا وقعت الواقعة ) الواقعة والطامة والصاخة ، ونحو هذا من أسماء القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .
وقوله : ( ليس لوقعتها كاذبة ) يقول تعالى : ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية ، والكاذبة في هذا الموضع مصدر ، مثل العاقبة والعافية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ليس لوقعتها كاذبة ) : أي ليس لها مثنوية ، ولا رجعة ، ولا ارتداد .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة في [ ص: 90 ] قوله : ( ليس لوقعتها كاذبة ) قال : مثنوية .
وقوله : ( خافضة رافعة ) يقول - تعالى ذكره - : الواقعة حينئذ خافضة أقواما - كانوا في الدنيا أعزاء - إلى نار الله .
وقوله : ( رافعة ) يقول : رفعت أقواما - كانوا في الدنيا وضعاء - إلى رحمة الله وجنته . وقيل : خفضت فأسمعت الأدنى ، [ ص: 91 ] ورفعت فأسمعت الأقصى .
ذكر من قال في ذلك ما قلنا :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح عبيد الله - يعني - العتكي ، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة ( خافضة رافعة ) قال : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( خافضة رافعة ) يقول : تخللت كل سهل وجبل ، حتى أسمعت القريب والبعيد ، ثم رفعت أقواما في كرامة الله ، وخفضت أقواما في عذاب الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( خافضة رافعة ) وقال : أسمعت القريب والبعيد ، خافضة أقواما إلى عذاب الله ، ورافعة أقواما إلى كرامة الله .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة قوله : ( خافضة رافعة ) قال : خفضت وأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى . قال : فكان القريب والبعيد من الله سواء .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( خافضة رافعة ) قال : سمعت القريب والبعيد .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( خافضة رافعة ) خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى ، فكان فيها القريب والبعيد سواء .
وقوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) يقول - تعالى ذكره - : إذا زلزلت الأرض فحركت تحريكا من قولهم : السهم يرتج في الغرض بمعنى : يهتز ويضطرب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) يقول : زلزلها .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قول الله ( إذا رجت الأرض رجا ) قال : زلزلت .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) يقول : زلزلت زلزلة .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إذا رجت الأرض رجا ) قال : زلزلت زلزالا .
وقوله : ( وبست الجبال بسا ) يقول - تعالى ذكره - : فتتت الجبال فتا ، فصارت كالدقيق المبسوس ، وهو المبلول كما قال - جل ثناؤه - : ( وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) والبسيسة عند العرب : الدقيق والسويق تلت وتتخذ زادا .
وذكر عن لص من غطفان أنه أراد أن يخبز ، فخاف أن يعجل عن الخبز ، قبل الدقيق وأكله عجينا وقال :
لا تخبزا خبزا وبسا بسا ملسا بذود الحلسي ملسا
[ ص: 92 ]وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وبست الجبال بسا ) يقول : فتتت فتا .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وبست الجبال بسا ) قال : فتتت .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( وبست الجبال بسا ) قال : كما يبس السويق .
حدثني أحمد بن عمرو البصري قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ( وبست الجبال بسا ) قال : فتت فتا . [ ص: 93 ]
حدثني إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي قال : أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسي ، عن سعيد بن الصلت ، عن إسماعيل السدي وأبي صالح ( وبست الجبال بسا ) قال : فتتت فتا .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وبست الجبال بسا ) قال : كما يبس السويق .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : ( وبست الجبال بسا ) قال : صارت كثيبا مهيلا كما قال الله .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( وبست الجبال بسا ) قال : فتتت فتا .
وقوله : ( فكانت هباء منبثا ) اختلف أهل التأويل في معنى الهباء ، فقال بعضهم : هو شعاع الشمس ، الذي يدخل من الكوة كهيئة الغبار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : ( فكانت هباء منبثا ) يقول : شعاع الشمس .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد ( هباء منبثا ) قال : شعاع الشمس حين يدخل من الكوة .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( فكانت هباء منبثا ) قال : شعاع الشمس يدخل من الكوة ، وليس بشيء .
وقال آخرون : هو رهج الدواب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي - رضي الله عنه - قال : رهج الدواب . [ ص: 94 ]
وقال آخرون : هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فكانت هباء منبثا ) قال : الهباء : الذي يطير من النار إذا اضطرمت ، يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .
وقال آخرون : هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( فكانت هباء منبثا ) كيبيس الشجر تذروه الرياح يمينا وشمالا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( هباء منبثا ) يقول : الهباء : ما تذروه الريح من حطام الشجر .
وقد بينا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : ( منبثا ) فإنه يعني متفرقا .